أورهان باموق يكتب رواية عن الطاعون وكورونا يحرجه – بقلم عبده وازن

عبده وازن

كان الروائي التركي أورهان باموق منكباً على كتابة رواية جديدة موضوعها الطاعون، عندما حل وباء كورونا واجتاح العالم ومنه بلده تركيا. لم يتوقف باموق عن الكتابة، لكنه راح يتأمل المآسي التي أحدثها وباء كورونا الرهيب، انطلاقاً من وقائع روايته التي صودف أنها تدور حول وباء تاريخي هو الطاعون الأسود. أهي مصادفة، مجرد مصادفة، أن يستبق باموق وباء كورونا، مستعيداً الأجواء الوبائية التاريخية ليكتب رواية عنوانها “ليالي الطاعون”؟ والطاعون المقصود هنا هو الطاعون الأسود الذي اجتاح آسيا في مطلع القرن العشرين وترك ضحايا وخراباً رهيباً.

غير أن الروائي التركي كان بدأ كتابة روايته قبل أربع سنوات كما يعترف، بل كما يعرف بعض أصدقائه، ولم يتمكن من إنهائها، على رغم عمله المتواصل عليها، وحل كورونا ليحدث في حياته وشخصه صدمة كبيرة. متى سينتهي باموق من كتابة الرواية؟ متى سيضع لمسته الأخيرة عليها؟

في مقال له نقل إلى الفرنسية والإنجليزية ونشرته جريدة “ليبراسيون” الفرنسية وعنوانه “أمثولة الروايات الوبائية الكبيرة” يتحدث باموق عن روايته الجديدة وعن صدمة كورونا ويقارن بين الوباء “المستجد” ووبائين تاريخيين هما الطاعون والكوليرا، ويصف أحوال العالم المعاصر والمواطن في ظل هذه الجائحة التي هزت أسس الحضارة الإنسانية الحديثة.

يستهل باموق مقاله قائلاً: “لقد مضت حتى الآن أربع سنوات وأنا منصرف إلى كتابة رواية تاريخية تدور أحداثها في عام 1901، خلال ما اعتدنا على تسميته “الموجة الثالثة للطاعون”، الطاعون الأسود الذي أوقع ملايين الضحايا في آسيا، بينما كان العدد أقل في أوروبا. وفي مثل هذه الحال منذ شهرين، ينهال عليّ أصدقائي وأفراد من عائلتي وكذلك ناشرون وصحافيون، وبعض اللواتي والذين يعلمون بموضوع روايتي “ليالي الطاعون”، عليّ بالأسئلة حول الأوبئة المعدية. ويسألونني بألحاح إن كان ثمة تشابهات بين جائحة كورونا والأوبئة التاريخية الكبيرة مثل الطاعون والكوليرا. وأجيبهم بأن التشابهات كثيرة. في التاريخ البشري والأدبي، ليست البكتيريات والفيروسات وحدها القاسم المشترك مع الأوبئة الجائحة، ولكن أيضاً أن تكون أجوبتنا الأساسية دوماً هي نفسها”.

ويستعيد باموق الأجواء السلبية التي كانت ترافق الوباء والموقف الرسمي المستهتر أو غير المبالي قائلاً: “كان رد الفعل الأول حيال ظهور جائحة جديدة هو الإنكار. والحكومات، سواء كانت وطنية أو محلية، كانت تتأخر في الاستجابة، وتعمد إلى تمويه الحقائق والتلاعب بالأرقام كما يحلو لها، من أجل إنكار وجود أزمة ناشئة مقدار ما أمكنها”.

روايتان من التاريخ

ويعود إلى بعض الروايات التاريخية في هذا السياق: “في الصفحات التمهيدية لكتابه “يوميات سنة الطاعون”، العمل الأدبي الأمثل الذي لم يُكتب ما يوازيه على مستوى ردود الفعل البشرية على العدوى، يروي دانيال ديفو كيف سعت السلطات المحلية في بعض أحياء لندن، في عام 1664، إلى تحجيم عدد الوفيات التي سببتها هذه الآفة معلنة أن الوفيات أوقعتها أمراض أخرى، تم اختراعها لهذه المناسبة. وفي قصص ديفو ومانزوني، يحافظ الناس على مسافة في ما بينهم عندما تتقاطع لقاءاتهم في الشارع خلال زمن الطاعون، لكنهم يتبادلون أيضاً الأخبار، وأحدث النكات الآتية من مدنهم، من أجل الحصول على نظرة أفضل إلى فداحة الوباء. هذه الصورة الأكثر تفصيلاً هي الأمل الوحيد لهم في الهروب من الموت وإيجاد ملجأ يحتمون فيه.

وفي رواية “المخطوبان” التي صدرت عام 1827 والتي تروي بالتفاصيل وبواقعية باهرة، انتشار الطاعون، يصف الكاتب الإيطالي أليساندرو مانزوني – بل ويدافع عن – غضب الناس إزاء الإستراتيجية الرسمية التي اعتمدت في مواجهة الطاعون. وبعدما رفض حاكم المدينة إيضاح الحقائق، لجأ إلى نفي التهديد الذي يمثله المرض. في هذه الصفحات، يوضح مانزوني كيف أن تدابير التقييد غير الكافية، التي يتم تطبيقها في طريقة شديدة اللين، ومهملة جداً لدى الناس، قد عجلت كثيراً في انتشار المرض”.