هل نحن مدركون انعكاسات لغة العلوم والتقانة على مستقبل لغتنا ؟إ ذا لم تحدث المعجزة، أي التنمية الشاملة التي تضخّ دماء جديدة في شرايين العربية، فلا شك في أنها ستبدو بعد عقدين أو ثلاثة، مترهلة، تجاعيد على تجاعيد.
من الضروري التذكير بالخلط في فهم الآية الكريمة وسوء تأويلها:«إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون»(الحجر9)،فالآية لا تنصّ على حفظ العربية كلغة، صريح النصّ يعني الذكر الحكيم، وإلاّ فالعربية تقوى بقوة أهلها وتضعف إذا هم ضعفوا. اللغة كالجسم، إذا ساءت تغذيته، وقلّت حركته، وفقد الحيوية، خرج من سباق فرض الوجود. الحقيقة الجليّة التي تؤول إليها اللغات التي تنسحب من مسرح اللغات الحيّة، وهي أنها تنحصر في أماكن العبادة، شأن القبطية والآرامية (السريانية،الكلدانية…) واللاتينية، والعبريّة حتى القرن التاسع عشر. يجب أن نخشى العواقب ونتقي شرها بالتخطيط السليم العقلاني، فالعواطف التي لا تبذل الجهود الإحيائية، تمسي أدوات هدم ذاتي بالتقاعس والتقادم.
الجهود المطلوبة ليست بالأمر الهيّن، فالمسؤولية تقع على منظومة جهات،لا جهة مفردة، لأن القضية متشعّبة جدّاً، وغير قابلة للتجزئة. خذ مثلا:تبسيط قواعد العربية وتطوير أساليب تدريسها بمناهج جديدة كلّياً، يعدّ معجزة بالنسبة إلى وضع لغتنا، لكن ما قيمة هذا الإنجاز العظيم التاريخي، إذا لم يرتبط التعليم بالتنمية؟ ما جدوى ذلك العمل الرائع، إذا لم يعمل العرب على تعريب العلوم، ليجد المتخصصون في العلوم والتقانات مصطلحات موحدة تشعرهم بأن لغتهم حيّة قادرة على إنتاج العلوم، وتحقيق مكانة علمية للعرب؟ ها نحن بهذه الجمل البسيطة قد وصّفنا مشروعاً يحتاج إيصاله إلى غاياته المنشودة إلى عشرات السنين:مجامع لغوية(ولماذا الكثرة والعربية واحدة؟) تعطينا قواعد سريعة ورشيقة وعملية، ثم ربط اللغة بالتنمية، أي بنهضة اقتصادية في جميع الميادين، وبالتوازي مع كل ذلك سعي بلا هوادة إلى تعريب العلوم والتقانات، لتحيا العربية عصرها وتتمتع بالشباب الدائم.
لزوم ما يلزم:النتيجة الإشكاليّة:المشكلة هي غياب المشروع الذي ينبثق من إدراك ربط اللغة بالمستقبل.
جريدة الخليج