اللكمة اللغز

حسن مدن

أمور عدّة، وليس أمراً واحداً فقط، جمعت بين الأديبيّن الكبيرين ماريو فارغاس يوسا وغابرييل غارثيا ماركيز. الاثنان من القارة السحرية، أمريكا اللاتينية. يوسا ولد في البيرو، وماركيز ولد بكولومبيا. الاثنان أيضاً نالا جائزة «نوبل» للآداب، نالها ماركيز في عام 1982، ونالها يوسا لاحقاً في عام 2010، والاثنان استحقّا الجائزة الأشهر في العالم عن جدارة؛ فلا خلاف حول أهمية ما خلّفاه من أدب عابر للزمن، حيث اعتبرا أهمّ رمزين للطفرة الأدبية في أمريكا اللاتينية إلى جانب الأرجنتيني خوليو كورتازار.
لافتٌ أيضاً تقارب عمر الاثنين، فإذا كان ماركيز قد عاش سبعة وثمانين عاماً (توفي في عام 2014)، فإن يوسا توفي قبل أيام عن تسعة وثمانين عاماً، ليقال إن وفاته تُمثل نهاية حقبة الجيل الذهبي للأدب في أمريكا اللاتينية، حيث كان آخر ممثليه الكبار.

بدأ فارغاس يوسا كتابته قاصاً، حين أصدر مجموعته القصصية الأولى «الأشبال وقصص أخرى» عام 1959، قبل أن يلفت الأنظار إليه بروايته الأولى «زمن البطل» عام 1963، المستوحاة من تجاربه في أكاديمية عسكرية بيروفية. أثارت الرواية غضب السلطات العسكرية في بلاده، حتى أنها حرقت ألف نسخة منها، وتلت هذه الرواية روايات أخرى مثل «محادثة في الكاتدرائية»، «امتداح الخالة»، «شيطنات الطفلة الخبيثة»، «زمن عصيب»، «البيت الأخضر» وغيرها، ويعود الفضل للمترجم القدير الراحل صالح علماني في تعريفنا بها.

شيء آخر جمع بين ماركيز ويوسا، لكنه لم يدم، هو إعجابهما بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو. كُتب الكثير عن علاقة ماركيز بكاسترو ودعمه لموقف كوبا المناهض للولايات المتحدة، وتنديده بالحصار الاقتصادي المفروض عليها. استمرّ ماركيز على موقفه، فيما اختلف الأمر مع يوسا الذي بدأ حياته يسارياً مأخوذاً، هو الآخر، بكاريزما كاسترو، لكنه تخلى، بالتدريج، عن مواقفه السابقة، ما عرضّه لانتقادات شديدة، حتى من المعجبين بأعماله، وأفقده دعم بعض زملائه الأدباء في أمريكا اللاتينية.

انعكس هذا التبدل في موقف يوسا على علاقة الأديبين: ماركيز ويوسا، ما حمل البعض على القول إنه سبب اللكمة المثيرة للجدل التي وجهها يوسا لوجه ماركيز في مدينة مكسيكو عام 1976. وظلّ الأمر بمثابة لغز، لأن يوسا تعهد بعدم الإفصاح عن السبب الحقيقي لقيامه بلكم صديقه، لكن الرأي السائد يستبعد أن يكون الخلاف السياسي بين الرجلين هو السبب، انطلاقاً مما روي عن أن يوسا حين حضر إلى مقر إقامة ماركيز الذي كان في استقباله، عاجله باللكمة وهو يصرخ في وجهه:«هذه من أجل باتريشا»، ما أوقع ماركيز أرضاً، وترك ندباً على أنفه. وباتريشا هي زوجة يوسا التي شكت لماركيز خلافاتها الحادة مع زوجها، فنصحها بالانفصال عنه، ما أثار حفيظة يوسا وقرر الانتقام!