You are currently viewing قصص كنفاه تُتوَّج عربياً
قصص كنفاه تتوج عربيا

قصص كنفاه تُتوَّج عربياً

توّجت المجموعة القصصية” كنفاه” (دار صوفيا، الكويت، 2023)، للكويتية نجمة إدريس، من بين 133 مجموعة قصصية عريبة، في الدورة السابعة لجائزة الملتقى للقصّة العربية التي اختتمت يوم الجمعة الماضي في الكويت. يجد نفسه من يقرأها أمام قاصّة حادّة الشفرة، تلتقط من الحياة تفاصيل لا يراها غيرها، عبر 17 قصة منسوجةً بتأنٍّ وهدوء سردي أخّاذ: “قماشة الكنفاه، أعكف عليها حين ينام البيت، وتخفت أضواء الغرف. هي جسري إلى منطقة العدم، حيث لا شيء غير الإبرة تدخل وتخرج جارّة وراءها خيطها الرقيق، تحيك علامة (الضرب) جيئة وذهاباً، طولاً وعرضاً. هو الوقت الذي بلا زمن، أو هكذا أتوهّمه عارياً من الدقائق ومسفوحاً في الفراغ، ورأسي خشبة عائمة تجاهد الأفكار المتقحّمة، فيما تربض حواسّي في اللحظة الآنية كسحلية”.
وقصة “باباه”، التي لا تخلو من جرأة، يمكنها أن تذكّرنا بموضوع الفيلم الهندي “حياة الماعز”، الذي أثار غباراً كثيراً، وهو يجسّد معاناة عامل آسيوي أختُطِف وحُبِس في غياهب الصحراء. يعيش القارئ مع هذه القصّة القصيرة المحكمة تفاصيل تلك العلاقة السرّية، المشحونة ثمّ المسترخية، بين خادم ومخدومه، ولكن ما إن يفكّر العامل بزيارة أهله، إلا ويكون مصيره أن يُحبَس في قفص مع كلب، ويُقفَل عليه بقفل ثقيل، لكي يفكّر (كثيراً) قبل أن ينطق برغبته في السفر.
كما تحضر المرأة في نصوص “كنفاه” فاعلاً وليس ظلّاً، راوياً ومروياً عنه، لكنه أيضاً، ليس حضوراً نسوياً صِرفاً، إنما حضور الإنسان العادي في يومه العادي، ومعاشه الرتيب. وفي حين نجد أن الراوي، في معظم نصوص المجموعة، هو المرأة، فإن ستّة نصوص، “الهاربة” و”ميسون” و”أنتي فدوى” و”فريج” و”أنقاض” و”مجرّد يوم”، يكون الرجل فيها الراوي. لذلك، هناك ما يمكن وصفه بعدالة الحياة الاجتماعية في مجتمع تتقاسم فيه المرأة الأدوار والمكانة مع الرجل، بالقدر الذي تتقاسم فيه المرأة القوة والضعف، فتروي المرأة عن الرجل، ويروي الرجل عن المرأة. ما يلفت النظر أيضاً، في هذه الحزمة القصصية المتميزة، الجمع بين البُعدين، الإنساني والمحلّي أو الخاص، فيحضر المكان الكويتي مؤثّثاً بالتفاصيل؛ قصص” كنفاه” و”باباه” و”تلك الليلة” و”فريج” مثال واضح.
في ظلّ زحمة الرواية والإقبال على كتابتها، يمكن أن ينطبق عليها إيقاع لحن الفنان محمّد عدوية، الذي يدلّل على زحمة السيّارات، إذ يمكننا أن نردّد أيضاً على إيقاع هذا اللحن: “رواية يا دنيا رواية”. لذلك، فإن جائزة الملتقى للقصّة العربية السنوي تميّز، لأنه (بما لديه من إمكانات) يولي اهتمامه بهذا النوع الأدبي العربي والعالمي الأصيل “فنّ الشفرات الحادّة”، وطيلة أيام الفعاليات الثلاث، أقيمت مجموعة من الندوات حول القصة القصيرة، فغدا الملقتى يتطوّر بين فترة وأخرى. تجدر الإشارة إلى أن المجاميع الأخرى التي صعدت مع ” كنفاه” إلى القائمة القصيرة كانت قوّيةً ومتميّزةً بصورة واضحة، فكان في القائمة زياد خدّاش من فلسطين بمجموعته ذات العنوان البليغ “الجراح تدلّ علينا”، وعبد الرحمن عفيف من سورية بمجموعته النوستالجية “روزنامة الأغبرة”، وأحمد الخميسي من مصر بمجوعته ذات البعد الاجتماعي “حفيف الصندل”، ومحمد الراشدي من السعودية، وهو أصغر المتوَّجين سنّاً، بمجموعته الذاهبة في التجريب واجتراح تقنيات جديدة “الإشارة الرابعة”. هذه المسابقة الرزينة، التي أطلق عليها مؤسّسها الرفاعي في أحد مقالاته “أوسكار القصّة العربية”، ربّما تبزّ مسابقات الرواية العربية، وكاتب هذه السطور كان متابعاً من قرب لفعّالياتها، وقد تلمَّس مدى رصانة الفعّاليات وحداثتها وجمال الفقرات وهدوئها. لا ننسى رحابة ولطف وسعة صدر مايسترو الجائزة الروائي الكويتي طالب الرفاعي، وحرصه على ما يمكن تسميته بالدقّة المرحة المتخفّفة من المظاهر الرسمية، التي من شأنها أن تضفي الثقل على أيّ فعّالية ثقافية.
المجموعة القصصية” كنفاه” عودة إلى القصّة الرصينة، المتخفّفة من “صناعة القصّة”، بمعناها المكشوف والظاهر، “وكأنّنا أمام حكاية في أصل نشأتها، همس خفيض لأناس عاديين عن أحوالهم في أيّام عادية، مجرّد أيّام عادية”، كما جاء في حيثيات بيان لجنة التحكيم.
العربي الجديد