بدأتُ الكتابة في «الخليج» منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حين استقرّ بي المقام في الإمارات، وفي الشارقة تحديداً، في نهاية عام 1992، حيث بدأت الجريدة في نشر مقالاتي في صفحة الرأي وكذلك في الصفحة الثقافية، قبل أن أتحوّل إلى كتابة زاوية أسبوعية، بعنوان «شيء ما»، لمدة عام كامل. وكان يمكن للأمر أن يستمرّ كذلك، لولا مفاجأة إدارة الصحيفة، وخاصة مؤسسيها وصاحبيها المرحومين تريم عمران والدكتور عبدالله عمران، لي بطلب أن أتحوّل إلى كتابة مقال يومي فيها. وما زلتُ أذكر ذلك اليوم، في عام 1996، حين دعاني الأستاذ غسان طهبوب، مدير تحرير «الخليج» يومها، إلى مكتبه في الدار، لينقل هذه الرغبة.
ورغم سعادتي بثقة الصحيفة ومؤسسيها الكبيرين، أذكر حال الرهبة التي شعرت بها إزاء مهمة بهذا الحجم، ولما لاحظ الأستاذ غسان ذلك، قال لي: فكّر في الموضوع يومين أو ثلاثة وأخبرنا بقرارك، مشجعاً إياي على الموافقة، وبالفعل اتصلت به بعدها، مبلغاً إياه بموافقتي على خوض التجربة.
وما زلتُ أذكر أيضاً أن البداية لم تكن سهلة، لكنّ حسن استقبال القراء، من أعمار وجنسيات عربية مختلفة، للمقال ومنذ البداية منحني ثقة ودعماً، ولم أتوقع حينها أن هذه «التجربة» ستستمر نحو ثلاثين عاماً، حيث لم يعد يفصلنا عن إتمام ذلك سوى القليل.
ربما ما كنتُ سأصبح كاتباً معروفاً لعمود يومي لولا «الخليج»، التي أنا ممتن لها ولمؤسسيها المرحومين خاصة، بذلك، وبما نلته منهما ومن فريق الصحيفة من دعم ومؤازرة، وهي الجريدة المرموقة لا في الإمارات وحدها وإنما في منطقة الخليج عامة، فضلاً عن صيتها العربي كونها استقطبت، ولا تزال، نخبة من الأقلام الصحفية من مختلف البلدان العربية، فالشكر القلبي لـ«الخليج» واجب دائماً، ولكنه واجب اليوم خاصةً، حيث يعزّ عليّ القول بأن هذا المقال هو المقال اليومي الأخير لي.
وأصدقكم القول، إن قرار التوقف عن الكتابة اليومية من أصعب القرارات التي اتخذتها، فكيف لمن اعتاد طقس الكتابة اليومية على مدار ثلاثة عقود، وبنيت بينه وبين قرائه جسور من المحبة والتواصل والتفاعل الدائم، أن يُقدِم على هذه الخطوة، ولكن كان لا بد منها، فلا العمر هو نفسه، ولا الصحة هي نفسها التي كانت، فشكراً من القلب أيضاً إلى القرّاء والقارئات الذين تبادلت معهم كل مشاعر الود والمحبة، وأصبح الكثيرون منهم أصدقاءً لي.
يقال إن الكاتب لا يتقاعد عن الكتابة. عزائي أن قراري هذا ليس تقاعداً، ولا حتى تقاعداً عن الكتابة الصحفية، فأنا ابن الصحافة التي عملت فيها منذ سنوات شبابي الأولى حتى قبل أن ألتحق بالجامعة، وهي التي كوّنت مهاراتي الكتابية؛ لذا أعدكم بمقالٍ أسبوعي قريب في «الخليج» لعله يعوّض بعض الغياب.