أحمد أمين المدني وثمار المثاقفة

حسن مدن

قبل خمسة أعوام، بالضبط في عام 2019، وعن مؤسسة سلطان بن محمد العويس، صدر كتاب الناقدة الإماراتية الدكتورة مريم الهاشمي «غربة المدني – دراسة تحليلية عن الشاعر أحمد أمين المدني»، والكتاب تسليط ضوء نقدي على تجربة واحد من أهم الشعراء في تطور القصيدة الإماراتية، لأنه مثّل فيها حالاً خاصة لم تكن معهودة قبله، ليكون حلقة ربط بين سابقيه من الشعراء، ومن تلاه من الأجيال الجديدة، خاصة بعد قيام الدولة

وقفت الدكتورة مريم الهاشمي عند محطات حياة الشاعر الذي ولد في حي البطين بدبي، وتلقى تعليمه الأولي في مدرستي الأحمدية والفلاحية، وتأثر، في مقتبل شبابه، بالمناخ الثقافي يومها، من خلال زياراته للمجالس الأدبية، ومن بين من لازمهم المدني، الشاعر مبارك العقيلي الذي تتلمذ على يديه، حتى صار يسجل له أشعاره. إنه ابن المدينة الإماراتية في بدايات تكوّنها كمدينة حديثة متأثرة بمحيطها العربي، وحتى غير العربي، إذا ما عنينا الهند مثالاً، لكن قُدّر لأحمد أمين المدني أن يذهب إلى مدى أبعد في التأثر بهذا المحيط، حين قصد بغداد للدراسة الجامعية، في عام 1947، ولنا أن نخال ثراء وتنوع المناخ الثقافي والأدبي، بما فيه الشعري، في العراق آنذاك، الذي وجد المدني نفسه في وسطه.

كان أدباء الإمارات وشعراؤها، يومها، ونظراؤهم في بلدان المنطقة الأخرى، يتفاعلون مع المناخ الثقافي والأدبي العربي من خلال المجلات الثقافية العربية، خاصة المصرية منها، التي كان يجري تداولها في مجالسهم الأدبية، وبينها «الرسالة» و«الهلال»، كما أشارت الدكتورة مريم الهاشمي، ويمكن أن يضاف إلى ذلك زيارة بعض رموز النهضة الأدبية العربية إلى الإمارات، كزيارة المصلح التونسي عبدالعزيز الثعالبي في عام 1924 ولقائه بأدبائها، لكن سفر أحمد أمين إلى بغداد واستقراره فيها جعله أقرب إلى ينابيع الشعر، وتشير الباحثة إلى أنه نشر قصائده في صحف العراق يومها مثل «العاصفة» و«الأهالي» و«القبس» و«الزمان».

المحطة المهمة الأخرى في حياة الشاعر التي عمقت ثقافته مع الآداب الأجنبية، تمثلت في سفره إلى بريطانيا لمواصلة دراساته العليا، حيث حصل منها على شهادة الدكتوراه، ما جعله على تخوم ثقافتين وأدبين، ثقافته وأدبه العربيين، وثقافة وأدب الآخر الغربي، ما ترك ظلاله على تجربته الشعرية، وعلى تكوينه الثقافي والأدبي.

اختارت مريم الهاشمي أن تدرس موضوع الاغتراب في شعر المدني، وهي مقولة فلسفية، أغنتها ووسعت أبعادها الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، خاصة على يد هيغل ومن تأثروا بمنهجه من فلاسفة ومفكرين لاحقين، وتأسيساً على هذا المنهج الفلسفي، قرأت الناقدة النصوص الشعرية للمدني، لكن من زاوية تجليات تأثير البيئة المحلية التي ولد ونشأ وتوفي فيها الشاعر في عام 1995.