مضت أربعون عاماً من عمر اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، بين مدٍ وجزر، بين صعود وهبوط، لكنه تجاوز المطبات بفضل الرعاية الحانية والدعم المستمر من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الرئيس الفخري للاتحاد، وشيخ الأدباء ومعلمهم.
وأمس احتفى الأدباء في يوم الكاتب الإماراتي بهذه المناسبة، برعاية الشيخ سلطان وبحضوره الكريم، وكعادته تحدث الشيخ إلى جمهرة من الكتاب والأدباء والمؤلفين حديثاً يفيض بالمودة، وتتلألأ فيه جواهر المعرفة والعلم، ويُسدي النصح والإرشاد، فيما يتعلق بدور المثقف الملتزم متمثلاً بعصر الأنوار الفرنسي وأدبائه ومفكريه أمثال جان جاك روسو وأميل زولا وغيرهما، وكيف استطاع هؤلاء ترسيخ الثقافة بوصفها مكوناً أصيلاً في المجتمع لا يقبل المزايدة ولا المساومة، وتنير الطريق أبداً للمجتمع وللناس.
وضرب سموه مثالاً على دور المثقفين الكبير في تاريخ فرنسا، حيث أسهموا في تغيير نمط ونهج جامعة السوربون من جامعة تدرس الدين فقط إلى جامعة تقدم مختلف العلوم والآداب، وقال: ( نحن أمام قوة مجتمعية تُغيّر في المجتمع وهم المثقفون).
كما أشار سموه إلى معنى الثقافة التي اعتبرها التمكن والتمكين في العلوم والآداب والفنون، ثم سرد تاريخ تأثير المثقفين والكُتاب في المجتمعات، حيث كانت البداية في بريطانيا في العام 1613م مع ظهور الكاتب الكبير وليام شكسبير والذي أحدثت أعماله الأدبية في المسرح والرواية ضجةً كبيرة، واستمر الحال في تميز إنجلترا عن باقي أوروبا في النهضة الثقافية إلى حوالي قرن من الزمن مع ظهور العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن وهو القرن الذي سميّ قرن الأنوار والذي هو ضد الظلمات، التي كانت أوروبا تعاني منها، ومن هنا بدأت مختلف الشعوب الأوروبية تتحرك نحو العلوم والثقافة والفنون متأثرة بإنجلترا.
وقد عادت بي الذكرى إلى بداية الثمانينات حيث احتضنت الشارقة بما يعرف اليوم بمؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات النفع العام والمسرح والفنون التشكيلية، ومنها اتحاد الكتّاب، وذلك بتوفير البنية التحتية اللازمة للثقافة من مقار ومسرح وقاعات وغيرها، مما مكن هذه الجمعيات من الحضور الثقافي القوي يقوده نخبة من الفنانين والأدباء ممن أدركوا أهمية الثقافة، يحدوهم الأمل في غدٍ أفضل دائماً، في الفترة نفسها بدأت إرهاصات إنشاء اتحاد للأدباء تظهر إلى الوجود، وكنا نعقد اجتماعات التأسيس في مقار الجمعيات التي سبقتنا إلى التأسيس، كجمعية الاجتماعيين وجمعية الحقوقيين، وقد لحقنا بهم بعد عامين من محاولات التأسيس ونلنا الإشهار عام 1984، واتخذنا شقة مقراً للاتحاد، نمارس فيها اجتماعاتنا ونشاطاتنا ولقاءاتنا الأدبية.
وفي لقاء مع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي كان حريصاً كالأب على لقاء أبنائه، وكان ذلك في القصر المطل على البحر، وبعد حديث أبوي كالعادة، أشار سموه إلى جهة السوق، وقال سوف أبني بناية هناك، يكون فيها مقر الاتحاد ويذهب ريعها لتمويل الاتحاد وأنشطته، إلا أن ذلك لم يحدث، لأن الشيخ قرر بناء قناة القصباء، ومنح الاتحاد مقراً دائماً فيها، وهكذا كان، وظل الاتحاد يتلقى العون والعطف من الشيخ سلطان كما يتلقى النصح والتوجيه.
مياه كثيرة جرت بعد ذلك تحت جسر اتحاد الكتاب، وظل واقفاً كنخلة رغم ما مر عليه من ظروف، في ظل الشارقة التي حولها الشيخ سلطان إلى جوهرة ثقافية، وواحة فن، وجامعة علم، ومركز دراسات، ومتاحف مزدانة بالكنوز، ومكتبات يشار لها بالبنان، ومعارض كتب ذات سمة عالمية، نافست عواصم الكتاب الدولية المعروفة، وما زال العطاء الثقافي مستمراً في نمو عاماً بعد بعام آخر، ولعل من حظنا نحن أدباء الثمانينات، أن نشهد كل هذا بأعيننا ونعيشه بمشاعرنا مشاركين ومتابعين معاً، وأن نكون في عصر سلطان الذي أطلق شعلة للثقافة لا ينطفئ لها نور، فبارك الله فيه وأمد الله في عمره ومتّعه بالصحة وراحة البال.
الشارقة: شعلة الثقافة التي لا تنطفئ