أن يتدافع الشباب، وتحدث حالات إغماء بينهم وهم يحضرون حفلاً غنائياً لمطربهم المفضل، ليس هذا هو الخبر. أن يتدافع الشباب وتحدث حالات إغماء بينهم وهم يحضرون حفل توقيعٍ لكاتبهم المفضل، هذا هو الخبر. ربما يبدو هذا الاستهلال مأخوذاً من إحدى القواعد التي تعلمناها في الصحافة، ونحن نضع أقدامنا على أول درجة من درجات سلم الإعلام في الجامعة، هذا صحيح.
الخبر جاء هذه المرة من المغرب العربي، يقول إن إدارة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالعاصمة المغربية الرباط تدخلت لإيقاف حفل توقيع كتب الكاتب السعودي أسامة المسلم، وذلك بعد الفوضى التي عمت المعرض بسبب الأفواج البشرية الكبيرة التي حضرت للقاء الكاتب، فقد شهد الرواق المخصص لاستضافة حفل التوقيع منذ الساعات الأولى من الصباح طوابير طويلة، تتألف من شابات وشبان انتظروا ساعات للحصول على توقيع وصورة مع الكاتب، وقد تدخل الأمن، بعد أن عمت الفوضى المكان وظهرت بعض حالات الإغماء الناتجة عن الازدحام، فطلب من الكاتب إنهاء الحفل.
الكاتب السعودي قال في فيديو مصور، لدحض الشائعات، إن مغادرته للمعرض جاءت بطلب من الأمن حفاظاً على سلامة الناس. وأضاف أنه عاد بعد ذلك إلى المعرض بطلب من وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، الذي طلب لقاءه. ووفقاً لمواقع مغربية، فقد توالت قبل تنظيم المعرض تنسيقات بين قراء مغاربة من عدد من مناطق المملكة المغربية، ومن خارج المملكة، لحضور هذا الموعد الثقافي، الذي يوقّع فيه أسامة المسلم رواياته العديدة الصادرة مفردةً أو في سلاسل.
منظر الحشود التي تجمعت في المعرض، كما بدا في الفيديو الذي بثه أحد المواقع المغربية، والمكون من شابات وشبان، أغلبهم تحت سن العشرين، يدعو فعلاً إلى الفرح والبهجة، ويدحض مقولة أن الشباب العربي لا يقرأ. الشابات والشبان الذين تحدثوا في مقطع الفيديو أبدوا جميعاً إعجابهم بأفكار الكاتب وأسلوبه الذي يجمع بين الخيال والواقع، وأثنوا على تواصل الكاتب معهم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي.
ربما يكون أسامة المسلم، المولود عام 1977م، قد تأخر قليلاً في نشر رواياته، فقد نشر روايته الأولى «خوف» عام 2015م، أي وهو في سن الثامنة والثلاثين، وقد واجه صعوبة في العثور على دار نشر توافق على نشر روايته الأولى، الأمر الذي اضطره إلى نشرها على حسابه الخاص، وطبع منها ألف نسخة فقط، لكن ما صدر منها بعد أن قدمته للقراء يقرب من 150 ألف نسخة! يذكرني هذا بما حدث لكاتبة سلسلة روايات «هاري بوتر» البريطانية جي. كي. رولينغ، التي لم يتحمس الناشرون كثيراً لكتابها الأول، والناشر الوحيد الذي وافق نشره رفض أن يكتب اسمها عليه واكتفى بالحروف الأولى منه، ثم أدرجت كتبها بعد ذلك ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ، وجنت منها ثروة هائلة.
تعتمد روايات أسامة المسلم على الغموض والرعب، ويمكن تصنيفها على أنها نوع من الفنتازيا، وتتحدث عن عالم الشياطين والجن والعفاريت والسحر، مثل روايات جي. كي. رولينغ أيضاً، الأمر الذي قد يكون سر رواجها وانتشارها بين فئة الشباب على وجه الخصوص، كما أن أسلوبها مباشر يذهب إلى الحدث مباشرة دون مقدمات ولا محسنات، وهذا في رأيي من أسباب رواجها بين فئة الشباب أيضاً.
يقول أسامة المسلم في خاتمة روايته «خوف»:
«المجتمع اليوم لا يقبل أي فكر جديد ولا يتعامل معه أو حتى مجرد النظر من زاوية مختلفة لأمور يرى أنها من المسلمات… هناك من يرى أن في أفكاري خطراً كبيراً على الجيل الصاعد وكأن هذا الجيل خُلِق ليصعد على سلم مبادئه فقط».
ربما لا يُعجِب ما يكتبه أسامة المسلم البعض، لكنه يجعل الشباب يقبلون على القراءة، فهذا التزاحم الذي شهده معرض الكتاب بالعاصمة المغربية الرباط لحضور حفل توقيع كتبه، يجعلنا نبتهج لأن كاتباً عربياً استطاع أن يعيد الشباب، الذين كنا نظنهم ابتعدوا عن الكتاب، إلى عالم القراءة، وأن يغريهم بزيارة معرض كتاب، ويجعلهم ينسقون بينهم للمجيء من مناطق مختلفة كي يلتقوا بكاتبهم المفضل، حاملين في أيديهم كتبه. أليس هذا الخبر مدعاة للفرح؟
هذا هو الخبر
جريدة البيان