لوحة «الطفل الباكي» انتشرت بشكل كبير وزينت منازل كثيرة جداً في كل أنحاء العالم، وما زلت أتذكرها بحجمها الكبير في مجلس بيت صديقتي، حيث كنا نفضلها خلفية للصور التي التقطناها في طفولتنا، هذه اللوحة شكلت جزءاً من ذاكرة أجيال متتالية من غير أن يعرف أحد قصتها، حتى ظهر الإنترنت، وتناقلتها المواقع ورسائل البريد الإلكتروني، ثم وسائل التواصل الاجتماعي.
تذكّرت قصتها قبل أيام حين عاودت الظهور مجدداً لدى الأصدقاء في حساباتهم في الإنستغرام، والقصة باختصار هي أن الرسام الإيطالي «جيوفاني براغولين»، أو «برونو اماديو» (1911-1981) سمع نشيجاً خارج مرسمه، وحينما نظر لمصدر الصوت وجده طفلاً صغيراً بملابس بالية، فأخذه لمرسمه ورسمه مرات عدة على مدى أيام، وفي كل مرة يلقاه كان لا يكفّ عن البكاء، إلى أن زاره كاهن محلي وأخبره أن هذا الطفل رأى والده يحترق، وأن فيه لعنة، يحرق كل بيت يزوره، لكن الفنان آثر تبنّي الطفل بحسب الرواية، وبعد أشهر بيعت نسخ كثيرة من لوحاته في مختلف أرجاء أوروبا، حتى غدا ثرياً قبل أن يحترق بيته، ويوجه أصابع الاتهام للطفل الذي فرّ، ولم يُعرف له أثر حتى شوهدت جثة متفحمة على قارعة الطريق يقال إنها للصبي نفسه الذي أصبح شاباً بعمر التسعة عشر عاماً، ثم ما لبثت أن تتالت الحرائق في بيوت عدة من أوروبا، ولهذا ارتبطت اللوحة باللعنة. وبرغم عدم وجود أي مستندات، أو وثائق تؤكد هذه القصة إلا أنها واردة، وما زالت تتردد في كل أرجاء العالم.
هذه اللوحة وحكايتها تطرح تساؤلاً مهماً، وهو أن المتلقي دائماً ما يعرف المنتج الأخير من أغنية، أو لوحة، أو كتاب، أو حتى قطعة أزياء دونما يعرف التفاصيل والأحداث التي مر بها صاحب المنتج، وكيف وصل لهذه الفكرة، أو تلك.
لم نعرف قصص كثير من كلمات الأغاني التي نردّدها، ولا قصص كثير من اللوحات التي نعلقها، أو نسخاً منها، في منازلنا ولا قصص مجموعة الأزياء التي نرتديها، أو نمر بها في المتاجر، وما إن نعرف حكاية ما حتى نفاجأ بالأسرار، ونشعر بمحبتنا لها تتضاعف، أو أحياناً نكرهها حين نعرف سراً لا يليق بمعتقداتنا، أو أفكارنا.
لكل شيء في هذه الحياة قصته وسرّه، وأجمل الأشياء هي تلك التي تظل محتفظة بسرها لحين الوقت المناسب.
حكايات لا نعرفها
جريدة الخليج