كان الصديق الراحل خالد البسام، رحمه الله، الشغوف بالتنقيب في الوثائق القديمة، المتصلة بتاريخ منطقة الخليج، شغوفاً بالتنقيب في الصحف العربية القديمة، ملتقطاً ما فيها من أخبار منوعة، تعود إلى الأزمنة التي صدرت فيها. ومثلما قصد لندن لينكب على تقصي الوثائق البريطانية القديمة عن تاريخ منطقتنا، التي أصبحت متاحة في الأرشيف، بعد مرور فترة زمنية عليها، فإنه كان دائم التردد على القاهرة ليقتني من مكتباتها القديمة، ومما يعرض في سور الأزبكية من صحف مضى على صدورها عقود من الزمن، ويسهر على التفتيش في ثناياها عن كل ما يراه مهماً وشائقاً، والنتيجة أن ترك لنا البسام عدداً كبيراً من الكتب تضمنت انتقاءاته المهمة واللافتة.
ورغم أن خالد البسام كان يصر على عدم وصف نفسه بالباحث، إلا أنه خدم البحث في تاريخ المنطقة، بالأوجه المتعددة لهذا التاريخ، أكثر بكثير مما خدمه العديد ممن يوصفون بالباحثين، وأعانته حاسته الصحفية وتكوينه الثقافي في انتقاءاته المميزة من المراجع ومن الصحف، ولم يكن بحاجة لأن يضع مقدمات أو شروحات لما ينتقيه وهو يعيد نشره، كأن لسان حاله يقول: إذا قرأتم ما اخترت لكم ستدركون بأنفسكم لماذا وقع اختياري عليه دون سواه.
وأنا أقرأ مقالاً قصيراً للكاتب البريطاني جورج أورويل عنوانه «كما يحلو لي» استعدت تجربة خالد البسام، الذي كان، بالمناسبة، زميلي في المدرسة الثانوية، وجمعتنا القاهرة في بدايات دراستنا الجامعية فيها في منتصف السبعينات الماضية، قبل أن تأخذ الأقدار كل واحد منا إلى أمكنة أخرى، ففي المقالة التي كتبها أورويل في العام 1944، يبدي أسفه على أن العادة القديمة في تجليد المجلات والدوريات على شكل كتاب، قد اندثرت تماماً، فإصدارات سنة كاملة لمجلة، حتى لو كانت هذه المجلة تافهة حسب وصفه، ممتعة للقراءة بعد مرور بعض الوقت، أكثر من غالبية الكتب.
«السحر العظيم» في هذه المجلات يعود، حسب أورويل، وأعتقد أن الكثير منا، إن لم نكن كلنا، نوافقه الرأي، هو أن تلك المجلات تكمل الحقبة التي صدرت فيها، فهي تحتوي على تفاصيلها وتخبرنا عن المواقف والاتجاهات والميول السياسية فيها، والصراعات أو التجاذبات فيما بينها، التي بالكاد ذكرت في كتب التاريخ الأكثر عمومية، ويمكن أن نستدرك فنقول إن هذه المجلات لا تخبرنا بأخبار وشؤون السياسة وحدها، وإنما بالجوانب الاجتماعية والفنية، وهو ما فعله البسام حين التقط من الصحف المصرية القديمة كل ما يتصل بالمرأة مثلاً من أخبار، ونشره على حلقات بعنوان «نسوان زمان»، وجمعها لاحقاً في كتاب بالعنوان نفسه.
سحر الصحف القديمة