جاء كتاب «نقد العاقل»، بقراءة نقدية وافرة وثرية، لكتاب «العاقل»، للكاتب يوفال نوح هراري، وتصدى الناقد سبيان سعيد شرو، لكل ما سرده المؤلف في كتابه الجدلي المثير، وكأن طبيعتنا البشرية جزء آخر من الطبيعة، في غياب أي معنى أو غائية للوجود البشري! أطروحات تمس الوجود والعقل البشري، ونظريات قديمة استعادها الكاتب، مخالفاً أصول الفكر وأسس العقل والعلم، فالتفت إليه كتاب «نقد العاقل»، وفند ما وقع فيه من مغالطات كبيرة، وأولها تعريفات الماضي والتاريخ، حيث يقول سبيان سعيد: إن الماضي ليس هو التاريخ نفسه، فالماضي أحداث ثابتة في الوقت المناسب، بينما التاريخ محادثة مستمرة حول الماضي، لاستعادة التاريخ أمام الأحداث في طورها الفكري والثقافي.
ويضيف سبيان سعيد أن يوفال في كتابه «العاقل» قدم تاريخاً موجزاً، لا يقدم بأي حال التاريخ الفعلي للبشرية، وطرح فكرة نهاية البشرية، أو تحولها أو استبدالها بآلة «السيايبورغ»، أي الإنسان الرقمي، مستنداً إلى خرافات قديمة وأسطورية ونظرية ما يسميه بعض كتاب أدب الخيال «الإنسان الهجين»!
وبهذه الصورة، ينجرف كتاب «العاقل» إلى تبني نظريات واهنة وتعريفات مطلقة وغير عقلانية، تتنكر للكثير من الحقائق المعرفية، التي يصفها بأنها «خرافات» تواضع عليها البشر لتنظيم حياة مجتمعاتهم على أسس ثقافية، مما ينم عن رؤية قاصرة من الكاتب للفكر والثقافة الإنسانية، ولهذا يصفه سبيان سعيد مؤلف ذلك الكتاب بأنه راوٍ للتاريخ بنغمة مادية وبلغة علمية متعجرفة، تقلل من دور وحضور الخطاب الثقافي والفكري، وهذا رأي خاطئ ولا ينمُّ عن وعي بمختلف أبعاد الحضارة البشرية، ولا بقيمة مهارات الإنسان في التكيف وظهور المجتمعات والقيم والأفكار ودورها في مسيرة الحضارة.
والحال أن سبيان سعيد نجح في دراسته النقدية في الحزّ في مفاصل مهمة، وتضمينها في كتابه النقدي، مما يشكل رداً مفحماً معززاً بالدراسات التاريخية والإنسانية، التي تجاهلها كتاب «العاقل»، أو طمسها وسعى للالتفاف حولها، حتى لا تتناقض مع أطروحاته غير العقلانية، وطرحه المادي في تفسير الحضارة والتاريخ، والزاعم أن الثقافة مجرد خيال وكأنها ليس لها وجود! هذا مع أن للثقافة دوراً محورياً في مسار الحضارة والتاريخ، وتلعب دوراً محورياً يسمح للبشر بالارتباط بعضهم ببعض. وهكذا كشف الناقد الحصيف أن معظم وأطروحات محاور الكتاب مجرد ادعاءات، لا تستند إلى أدلة معرفية وعلمية، وخاصة وصفه العجيب للثورة العلمية بأنها لم تلعب أي دور مهم في التاريخ، وهو تقييم غير معقول ولا مقنع، لثورة شهدت ميلاد عصر النهضة.
ويرى سبيان سعيد أن كتاب «العاقل» لا يقدم رؤية موضوعية للحضارة والتاريخ والطبيعة البشرية، ويخفق في فهم دور الثقافة، مرتدياً عباءة العالم التجريبي. ويقدم الناقد سبيان سعيد قراءة مهمة في كتاب «نقد العاقل»، قراءة معرفية وتوثيقية بمهارة الحاضر في كل ما طرحه الكاتب من أطروحات.
بين الثقافة والحضارة