رجل عشق الترحال، والتبست حياته بأسئلة وعلامات استفهام، فالشاعر ما زال شعره حاضراً، وعن هذا الشعر وسيرة قائله، توضع الكتب والدراسات. دخل رامبو عالم الشعر باكراً وغادره باكراً أيضاً، واختار الترحال لممارسة التجارة، متخذاً من مدينة عدن بالذات مستقراً له، يغادرها لبعض الوقت لقضاء أمور تجارته، ثم يعود إليها، ولم تكن كل هذه التجارة بريئة، حيث يدور حديث عن تورطه في تجارة الرقيق، ما يصيبنا بالدهشة والخيبة، فكيف لمن كتب كل هذا الشعر العذب، أن يتورط في أمر شائن كهذا؟
إقامته في عدن كانت مثيرة لاهتمام من تناولوا شعره وسيرته من الباحثين العرب، خاصة مع وجود إشارات على أثر تلك الإقامة في نشوء ما يشبه الشغف، أو أقلّها الفضول، لديه بالثقافة العربية وبالإسلام، ولنا أن نسأل: كيف وجد فرنسي في عدن ملاذاً، هو الذي وصفها في رسالة إلى شقيقته ب«فَوهة بركان خامد مملوءة بماء البحر. إنك لا ترين إلّا الحمم والرمل في كل مكان، حيث لا ينبت أضأل نبات»؟ فكيف أصبحت عدن، رغم ذلك، مشتهاه؟ لعلنا نجدد السبب في الاستدراك الذي حوته الرسالة نفسها، حين قال عنها، إنها «المكان الأكثر ضجراً في العالم، لكن بعد المكان الذي تقيمون أنتم فيه طبعاً»! والسر في الشطر الأخير من العبارة لا في شطرها الأول.
الكاتب المصري ماهر بطوط، قدّم في كتابه «بين الفن والأدب» معلومات إضافية عن مرور رامبو على مصر، فهو لم يزر الإسكندرية وحدها، وإنما القاهرة أيضاً، وكان على وشك العمل في جمارك الأولى، لولا أنه لم يطق الانتظار لاستكمال الأوراق. وثمة معلومة أخرى أوردها الكاتب مفادها بأن رامبو أودع ما كان يحمل من أموال ذهبية في مصرف «الكريدي لونيه»، في حي الغورية بالقاهرة، كوديعة لستة أشهر بفائدة مقدارها 4%.
رامبو في مصر – بقلم حسن مدن