أكدت نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب، ضرورة إثراء وتحسين المحتوى العربي وتوعية صنّاعه بأهمية إتقان اللغة العربية وتقديمها كمرآة للهوية وأداة عالية للتعبير، فحجم المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3%، وهذا القصور أمر يجب على المعاهد والأكاديميات والمؤسسات التعليمية أن تهتمّ به أكثر، وأن تعزز حضور المادة العلمية المحكّمة باللغة العربية عبر شبكة الإنترنت بشكل أكبر، مبينة أهمية التركيز على ترجمة شعار قمة اللغة العربية «اللغة وصناعة الهوية» التي تنطلق في أبوظبي، بعد غد الثلاثاء، وتستمر يومين، إلى عمل يومي وجهد حكومي ومجتمعي يسهم في تحفيز صناعة الهوية، من خلال اللغة كأحد عناصرها الرئيسية، وهذه العملية تبدأ منذ الولادة وتمر بمراحل النشأة وصولاً إلى الشباب.
وأضافت في حوار لـ«الخليج» أن متوسط عدد الكتب التي يقرأها الفرد العربي تبلغ 16 كتاباً في السنة معظمها باللغة العربية، كما سجّلت الإمارات أعلى نسبة جوائز تمنح في مجالات أدبية وإبداعية ذات صلة باللغة العربية، فهي تمنح 10 جوائز في حقول أدبية مختلفة، وهي الأولى في هذه التكريمات التي تذهب إلى الكثير من الكتّاب العرب.
فدولة الإمارات تمتلك أجندة وطنية متكاملة لتعزيز اللغة العربية في الثقافة والحياة والخطاب الإعلامي والمناهج التعليمية. وتالياً نص الحوار.
تبذل وزارة الثقافة والشباب جهوداً كبيرة في المحافظة على اللغة العربية وتعزيزها في ظل التحديات التي تواجهها، ما أبرز هذه التحديات من وجهة نظركم؟
ـ نحرص في الوزارة على الاهتمام باللغة العربية وتعزيز حضورها وتكريس استخدامها في ضوء توجيهات القيادة، بما يتوافق مع قوانين الدولة، وخاصة قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الخاص باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع المؤسسات والهيئات الاتحادية في كافة إمارات الدولة، وميثاق الأجندة الوطنية للغة العربية.
كما نسعى إلى الارتقاء بمكانة لغتنا العربية لدى جميع أفراد المجتمع، من خلال ما نقوم به من برامج ونضعه من خطط، لا سيما لدى الجيل الجديد الذي عليه مسؤولية وأمانة الحفاظ على هذه اللغة وإتقانها، وجعلها لغة خطاب وحوار مع أقرانه من مختلف أنحاء العالم.
هناك العديد من التحديات التي تواجه اللغة العربية، لا سيما أننا نعيش عصراً تحتلّ فيه التكنولوجيا المتطورة حيزاً كبيراً في حياة الناس اليومية، وعندما ننظر إلى واقع اللغة العربية في مجالات الإنترنت والمحتوى الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعية، نجد أننا بحاجة إلى فعل الكثير في سبيل إثراء وتحسين المحتوى، وتوعية صنّاعه بأهمية إتقان اللغة العربية وتقديمها كمرآة للهوية وأداة عالية للتعبير، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعي خلقت ـ بحد ذاتها ـ واقعاً وتحديات مختلفة، منها هيمنة استعمال اللغات الأجنبية عوضاً عن اللغة العربية، فضلاً عن اعتماد البعض الحديث بلغتين في الوقت نفسه.
وهذا القصور الواضح في المحتوى العربي الرقمي على شبكة الإنترنت، أمر يجب على المعاهد والأكاديميات والمؤسسات التعليمية أن تهتمّ به أكثر، وأن تعزز حضور المادة العلمية المحكّمة باللغة العربية عبر شبكة الإنترنت بشكل أكبر بهدف ترسيخ قيمة وأهمية اللغة العربية في أذهان القراء، وخاصة من الأجيال الجديدة، حيث أظهر تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات أن حجم المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3%، وأن الجزء الأكبر منه مترجم إما حرفياً وإما مضموناً، وتنخفض هذه النسبة إذا ما نظرنا إلى المحتوى العربي الأصيل الذي يتم إنتاجه.
ومن المفارقات أن تتصدر اللغة العربية في عدد المفردات المستخدمة على الإنترنت بواقع 12 مليوناً، مقابل 600 ألف مفردة باللغة الإنجليزية، وتشكّل مفردات اللغة العربية المتفردة 20 ضعف المفردات المتفردة غير المكررة في اللغة الإنجليزية، و96 ضعف المفردات المتفردة في اللغة الفرنسية، وهذه الأرقام تعكس مدى اختلاف تجربة إنتاج محتوى عربية مقارنة بغيره من المحتوى المكتوب باللغات الأخرى؛ لأن الغنى والتنوع والثراء الكبير في المفردات يعني الاستفادة القصوى من إمكانات اللغة، وقدرتها الفائقة والفريدة على تقديم محتوى متنوع وثرى أيضاً، ولكن تلك الأرقام لم تترجم إلى محتوى وحضور على الشبكة بالثقل والغنى والتنوع المأمول، ما يثبت أن القصور ليس في اللغة العربية ذاتها، وإنما بأنماط استخدامها وصناعة محتواها وتقديمه إلى الناطقين بها والناطقين بغيرها حول العالم.
صناعة الهوية
تنعقد قمة اللغة العربية تحت شعار «اللغة وصناعة الهوية»، ما دور الأسرة كنواة أساسية في المجتمع تسهم في دعم اللغة العربية وتعزيز حضورها كركيزة أساسية للهوية والثقافة العربية؟
ـ الأسرة لها الدور الأساسي في التنشئة الصحيحة وتعليم الأطفال اللغة العربية وحبّها، وإلى جانب الأسرة يأتي دور المدرسة التي يتكامل دورها مع الأسرة في زرع حب ومهارات اللغة العربية في نفوس الأبناء منذ الطفولة المبكرة.
وبغياب أو ضعف دور الأسرة تكون هناك حلقة مفقودة لن تستطع المدارس أن تجد لها حلاً، لهذا فإن على الآباء والأمهات دوراً كبيراً ومحورياً بالتوازي مع المؤسسات التعليمية في غرس قيمة وأهمية اللغة العربية في نفوس الأبناء، والعمل بشكل جادّ على تكريس هذه اللغة في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية، لا سيما مرحلة الدراسة الأساسية.
وبناء على ما سبق، ندرك أهمية التركيز على ترجمة شعار القمة «اللغة وصناعة الهوية» إلى عمل يومي وجهد حكومي ومجتمعي، يسهم في تحفيز صناعة الهوية من خلال اللغة كأحد عناصرها الرئيسية، وهذه العملية تبدأ منذ الولادة وتمر بمراحل النشأة وصولاً إلى الشباب، حيث يرتبط المرء ارتباطاً جذرياً بهويته ولا ينسلخ منها، وبالتالي فإن العمل على الهوية واللغة يجب أن يتم ضمن سياق تربوي وطني واحد.
الإبداع
- كيف يمكن للغة العربية أن تزدهر بازدهار آدابها وفنونها وعلومها ونحن نرى جيلاً من أبنائها الشباب يهجرونها ويبدعون وينتجون بلغة أخرى غيرها؟
ـ لا زال الإبداع العربي حاضراً على الرغم من مختلف التحديات التي تحيط سواء بالمبدع نفسه أو بالبيئة التي نشأ فيها، والتغيرات التي طرأت عليها، أو على العالم وما يمرّ به من منعطفات، كل ذلك لا يمنع المبدع من أن يقدّم إنتاجاته الفريدة باللغة العربية، ولكن على الرغم من كل ما يقال، فإن تقرير حالة اللغة العربية الذي أصدرته الوزارة عام 2020 يشير إلى أن معدّل قراءة الفرد العربي سنوياً هو 35.24 ساعة، وتراوحت الأرقام بين 7.78 ساعة في الصومال، وهو أدنى معدل، و63.85 في مصر وهو أعلى معدل، وبلغ متوسط عدد الكتب التي يقرأها الفرد العربي 16 كتاباً في السنة، وأغلبية هذه القراءات هي باللغة العربية.
أما في ما يتعلق بالإنتاج الأدبي العربي، فنحن في دولة الإمارات نعمل حثيثاً على تعزيز هذا الجانب، وأذكر هنا ما ورد أيضاً في نفس التقرير السابق، حيث سجّلت الإمارات، وفق جدول الجوائز العربية في التقرير، أعلى نسبة جوائز تمنح في مجالات أدبية وإبداعية ذات صلة باللغة العربية. ووفق الجدول تمنح الإمارات عشر جوائز في حقول أدبية مختلفة، وهي الأولى في هذه التكريمات التي تذهب إلى كثير من الكتّاب العرب.
وأودّ التأكيد أننا ندرك وجود كثير من الشباب المبدعين في حقول ومجالات مختلفة وبلغات أخرى غير العربية، وهذا حقّ أصيل لكلّ فرد في المجتمع، إلا أننا نسعى إلى تعزيز اللغة العربية بينهم، وخير دليل على ذلك هو ما تقوم به الوزارة من مبادرات لدعم الإبداع باللغة العربية طبعاً، كمبادرة «أبدع مسرح» و«أبدع نشر»، حيث تسهم هذه المبادرات التي تطمح لأن تدعم مجالات إبداعية أخرى، في إثراء المحتوى العربي وتكريم وتقدير صنّاعه ومبدعيه، كما أذكر مثالاً مما يقوم به مركز الشباب العربي من دورات متخصصة يتبنّى بها الشباب الموهوب الطامح لدخول مجال الإعلام، مثل برنامج القيادات الإعلامية.
خطط
- كيف تنظر وزارة الثقافة إلى مناهج تعليم اللغة العربية التي تعتمدها الدولة في مؤسساتها التعليمية، وما مدى إمكانية التعاون بشأن تطوير هذه المناهج مستقبلاً؟
ـ دولة الإمارات تمتلك أجندة وطنية متكاملة لتعزيز اللغة العربية في الثقافة والحياة والخطاب الإعلامي والمناهج التعليمية، وهي دولة رائدة في مجال تكريس اللغة العربية وصونها والحفاظ عليها، وتوليها كل الأهمية في كل خططها الاستراتيجية، وتؤمن بأن مسيرة بناء الأوطان والإنسان لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب اللغة العربية التي تتخذها منطلقاً أصيلاً لهويتها الثقافية والفكرية والمعرفية والمجتمعية.
وتتعاون الوزارة بالتأكيد مع الوزارات والهيئات والجهات ذات الاختصاص لتعزيز جهود تمكين اللغة العربية ضمن عناصر الهوية المجتمعية والثقافية للدولة، وعلى مستوى المناهج، تنفيذاً لتوجيهات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بصفته رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، والتي أشارت إلى ضرورة العمل على تعزيز الهوية الوطنية واللغة العربية لدى الطلبة، حيث تعمل وزارة الثقافة على تطبيق ما ورد في الإطار الوطني للأنشطة الثقافية الإماراتية في المدارس، والذي يتضمن مجموعة من السياسات والمعايير المدرسية للأنشطة الثقافية الإماراتية التي تتكامل مع المناهج الأكاديمية، ومن ضمن هذه الأنشطة والفعاليات تعزيز استخدام اللغة العربية.
الركيزة الأساسية
- هل لنا أن نتعرّف إلى خطة ورؤية الوزارة للحفاظ على اللغة العربية؟
ـ جهود الوزارة تتكامل تماماً مع جهود واستراتيجيات وعمل جهات ومؤسسات الدولة المختلفة في هذا الإطار، ووزارة الثقافة تعمل بشكل جوهري على تعزيز اللغة العربية واستخدامها لغة حوار أساسية، وهي مبادرات وإجراءات وفعاليات وتحركات استراتيجية، جزء منها تشغيلي وآخر مجتمعي.
وأصدرت وزارة الثقافة والشباب تقرير حالة اللغة العربية، ونعمل على إصدار مؤشر القراءة الوطني بالتعاون مع الجهات المختصة، وننظم سنوياً شهر القراءة، إضافة إلى عقد قمة اللغة العربية، ولا ننسى إعلان الإمارات للغة العربية؛ الإعلان الرسمي العربي الأول من نوعه.
كما أن الوزارة تحتضن المجلس الاستشاري للغة العربية المسؤول عن رعاية ودعم الجهود الرامية إلى تطبيق مبادئ وتوصيات «ميثاق اللغة العربية» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
إن كل ما تقوم به الوزارة من جهود في سبيل الحفاظ على اللغة العربية سواء من تنظيم القمم والفعاليات والبرامج الخاصة بتعزيز مكانة العربية، بالشراكة مع مختلف الجهات والمؤسسات في الدولة، يراكم من التجارب والخبرات ويبني عليها، وإننا نضع نصب أعيننا أن تبقى اللغة العربية الركيزة الأساسية للهوية الفكرية والحضارية لمجتمعنا، كما أن الدبلوماسية الثقافية التي نحاور بها العالم، أساسها اللغة العربية، لإدراكنا للأهمية التي تمتلكها لغتنا التي تعدّ من أقدم اللغات وأكثرها حضوراً واستثنائية على المستوى العالمي.
نورة الكعبي: الإمارات تمتلك أجندة متكاملة لتعزيز اللغة العربية – حوار: نجاة الفارس
جريدة الخليج