دع جانباً الشطحات المشطة لدى القلم، الذي يرى أن أقلام الإعلام هي الأخرى، يجب أن تكون لها بنى تحتية أسلوبية ثقافية متعدّدة الروافد، من قبيل الأخذ من كل شيء بطرف، لأن الحياة العامة ميادينها مترابطة، وليست أرخبيل جزر. خذ مثلاً: ما وزن المراسل الرياضي الذي يكلف بتغطية كأس العالم، إذا كان غريب الدار، خالي الوفاض، في الجغرافيا والسياسة والفنون، كقيم مضافة إلى إلمامه بمجال عمله. أليس عجيباً أن يكون محرر الشؤون السياسية غير ملمّ بالتاريخ والاقتصاد؟ هنا، أيضاً لا بأس بالتذكير بأن ثلاثي العين واللام والميم فيه العلم والتعليم والإعلام والمعلوماتية…
المعايير في الأجناس الأدبية تتطلب صرامة أشد وحسابات أدق. المقصود بالصرامة والحسابات هو تقوية الأسس والقواعد، فيكون انطلاق المواهب الواعدة على الدروب القويمة. على واضعي مناهج الفرع الأدبي، أن ينظروا في هذه الفكرة، فلعل فيها فائدة: يعتقد القلم أن دارسي الأدب في المدارس العربية، يهدف تعليمهم إلى أن يكونوا مؤهلين لتدريس الأدب العربي، أو أن يصيروا قِرباً منتفخة مملوءة بأشياء أدبية كثيرة، أمّا عن التربية الإبداعية فطرق غير مطروقة. إبداع الأجناس الأدبية متروك للمقادير، يا نصيب، بخت منقوش على لوح الفلك الدوّار.
على الأساتذة الخبراء التربويين، ألاّ يصعّروا الخد لهذه الفكرة، لمجرد أنه ليس من السهل تصور تنفيذها عملياً. لكي نحسن خلط الحابل بالنابل، على القوم المعنيين أن يتأملوا المشهد في المعاهد الموسيقية: يدرس الطالب تشكيلة متكاملة من المواد النظرية، كل الضروريات، لكنه في مجال تعلم الآلة، يتدرب في المتوسط ست ساعات يومياً طوال خمس سنوات. في المدارس العليا العالمية، في التخصصات الرفيعة، تستغرق الدراسة اثني عشر عاماً. في السنوات الخمس فقط، لا أقل من 7500 ساعة تمارين. تخيل طالباً في الفرع الأدبي يتدرب على الكتابة خمسة آلاف ساعة، في الثانوية، ومثلها في الجامعة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المستديرية: كرة الفكرة في ملعب المناهج. سجّلوا الهدف أو اضربوا العارضة.
البصمات الأدبيّة الواعدة – بقلم عبداللطيف الزبيدي
جريدة الخليج