«كلمة للعالم» هو الشعار الموفق الذي اختارته الشارقة للدورة المقامة حالياً لمعرض كتابها الدولي السنوي، فهل هناك أبلغ من أن تكون الكلمة بالذات هي الرسالة التي نخاطب بها العالم. في البدء كانت الكلمة، فبها نعبر عن الأفكار والمشاعر، وبها نصوغ الرؤى والمواقف، وندون الوقائع ومجريات الأحداث، فهي لسان العقل، تقول ما يفكر فيه، وتمنحه قوة السريان والتداول، وإلا ظل ما يفكر فيه العقل خفياً لا يسمعه أحد، ولا يتجسد في أفعال، هي نتاج تدفق المعرفة بالقول والتدوين، ومن ثم تناقلها بين الأجيال، وسفرها عبر الحدود من ثقافة إلى أخرى، ومن أمة إلى مجموعة أمم، لتصبح روافد منها يتشكل نهر المعرفة الإنسانية بمائه العذب الزلال، الجاري عبر الأرض وعبر الأزمنة.
«كلمة للعالم» شعار موفق جداً أيضاً؛ لأنه ما من حدث يمكن أن يقرن بالكلمة أكثر من معرض دولي للكتاب، فالكتاب هو صائن الذاكرة وحافظها وناقلها بين دفتيه منذ أن اهتدت البشرية إلى الاختراع العبقري: التدوين، الذي حوّل الكلمة المقالة شفاهة إلى كلمة مكتوبة، فمعارض الكتب عامة هي أعراس للكتاب، فما بالنا بمعرض عريق وشهير بمكانة معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يقترن اسمه بالإمارة التي جعلت من الثقافة عنواناً لها، واحتفت بالكتاب على الدوام، وقدّمت في دعم طباعته ونشره الكثير، وفي هذا السياق نجحت في أن تجعل من معرضها معرضاً دولياً لا بالمسمى وحده، وإنما بالحضور الواسع الذي تخطى البعدين المحلي والعربي، على أهميتهما، ليبلغ العالم.
الرهان على الثقافة فكرةً ورسالة ووسيلةً أيضاً لأخوة البشر ووحدتهم رهان في مكانه تماماً، وهذا الرهان يحضر أكثر فأكثر في عالم يضجّ بالصراعات وتهدده الحروب الطاحنة في غير مكان من أرجائه، وبعضها ينذر بمواجهات عالمية قد لا تبقي ولا تذر، فلدى الثقافة، والكتاب واحد من أهم أسلحتها وأدواتها، القدرة على إعادة العالم إلى رشده، حين تذكرهم بأن ما يجمع بينهم، بالفطرة، أقوى بكثير مما يفرقهم.
وتتجسد هذه الرسالة في رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حول دور الكتاب والمعرفة في بناء الأمم والحضارات، وتترجمها الفعاليات التي تشهدها هذه الدورة من المعرض، كما شهدتها دوراته السابقة، وستشهدها دوراته القادمة أيضاً.
العويس الثقافية ، اصدارات العويس