بيبا الحبوبة وشقيقها جورج – بقلم علي عبيد الهاملي

علي عبيد الهاملي

يبدو أن موزة الحبوبة وشقيقها رشود، بطلي مجلة «ماجد» الشهيرين، قد خسرا المعركة، وهما اللذان رافقا أطفالنا أكثر من أربعة عقود، كبر خلالها الأطفال الذين كانوا عند صدور المجلة صغاراً ودخلوا سن الكهولة، بينما لم تكبر موزة الحبوبة ولا شقيقها رشود، لكنهما خسرا المعركة، مثلما خسرتها ميرميد وميني ماوس وميكي ماوس، وغيرهم من نجوم الكرتون العالمية، لصالح «بيبا بيغ» التي اكتسحت مسلسلات الأطفال وألعابهم وعالمهم، وكل شيء جميل يبعث البهجة في نفوسهم، ويدفع الآباء والأمهات إلى إنفاق ما في جيوبهم ليسعدوا أطفالهم.

فمن هي «بيبا بيغ» هذه كي تزيح كل هؤلاء النجوم الذين أكمل بعضهم أكثر من أربعين عاماً، ويوشك بعضهم الآخر أن يكمل قرناً من الظهور والبروز وتسيد ساحة مجلات الأطفال، ومسلسلاتهم الكرتونية، وأفلامهم، وبرامجهم، وألعابهم، وملابسهم، وأدواتهم، وغيرها؟

«بيبا بيغ» خنزيرة صغيرة، طويلة الأنف، وردية الوجه، بارزة الوجنتين، مجسدة في مسلسل رسوم متحركة تلفزيوني بريطاني لمرحلة ما قبل المدرسة، تقوم، هي وشقيقها جورج، بتقديم النصائح للأطفال في كل مجالات الحياة. المسلسل الذي بدأ بثه في 31 مايو 2004 في المملكة المتحدة، أصبح الآن يعرض في 180 منطقة حول العالم بلغات متعددة، وهناك نسخة ناطقة باللغة العربية منه. الخنزيرة «بيبا» أصبحت خلال سنوات قليلة تستهوي الأطفال الذين غدوا يحاولون تقليدها، ويقتنون الدمى التي تجسدها، لتتحول إلى مشروع تجاري مربح يدر أموالاً طائلة، ربما تتجاوز أرقامها كل ما حققته الشخصيات الكرتونية الأخرى منذ ظهور مسلسلات الأطفال وحتى اليوم.

ليست الأموال التي تدرها «بيبا بيغ» هي القضية الأهم، فلطالما دفع الآباء والأمهات الكثير من أجل تحقيق رغبات أطفالهم، والترفيه عنهم، وإكسابهم المعارف والأخلاق الحميدة والسلوكيات التي يتمنون أن يكسبوهم إياها في مرحلة طفولتهم الأولى، ولكن القضية، وهنا مربط الفرس، هي من أين يكتسبونها، وممن يكتسبونها، وهل الشخصيات التي يكتسبون منها هذه المعارف والقيم والسلوكيات تصلح أن تكون قدوة لهم، يفعلون ما تفعله، ويتركون ما تتركه، ويقتنون الدمى التي تنتجها شركاتها، يأخذونها معهم إلى مخادعهم، يصطبحون بها، ويمسون عليها، ويقضون نهارهم كله معها؟

هنا قد ينقسم المتحاورون إلى فريقين؛ فريق يرى أن الخنزيرة حيوان مثلها مثل أي حيوان آخر، لا مانع لديه من اتخاذها قدوة لأطفاله، يستقون منها المعارف، ويتعلمون منها الأخلاق الحميدة والسلوكيات الصحيحة، ويقتنونها دمية تنام معهم في أسرتهم، وتصحبهم في أوقات دراستهم ولعبهم، دون اعتراض أو تحفظ، وفريق يعترض على اختيار خنزيرة كي تكون مرشدة لأطفاله، والشخصية التي يستقي منها طفله معارفه، ويتعلم منها الأخلاق الحميدة والسلوكيات الصحيحة، سواء كان هذا الاعتراض نابعاً من أرضية دينية لدى أتباع بعض الديانات، أو لأسباب ليس لها علاقة بالدين، إذا ما أراد البعض ألا يربط كل شيء بالمعتقَد الديني، رغم أن هذا المعتقَد مكون أساس من مكونات الفرد والمجتمع، يجب احترام تعاليمه وتوجيهاته وكل ما له علاقة به.

ولأن هذا الجدل قد لا يؤدي إلى نتيجة حاسمة، شأنه شأن أي جدل آخر، فقد كان ضرورياً أن نلجأ إلى الأبحاث والدراسات والاستبيانات لنتحرى الرأي الأقرب إلى الصواب من الرأي الخطأ.

وقد جاءت الأخبار من بريطانيا أيضاً، موطن «بيبا» الأصلي، فأظهر استبيان أن المسلسل يحظى بتأثير سيئ على الأطفال الصغار، وتبين، وفقاً لما ذكرته صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية، أن الآباء والأمهات أبدوا اعتراضهم على سلوكيات الخنزيرة الكرتونية الشقية «بيبا» وشقيقها جورج، وذلك نظراً لتقليد أولادهم سلوكيات هذين الخنزيرين السيئة. واشتكى أحد الآباء من أن ابنه الذي يبلغ من العمر 4 أعوام يميل للعب في البرك الموحلة وهو في طريقة للمدرسة، مقلداً بذلك النشاط المفضل الذي كانت تفعله بيبا، بينما لاحظ آخرون أن أطفالهم باتوا يصرخون بقولهم «كعكة الشوكولاتة» حين يُسألون عن الطعام الذين يودون تناوله في الإفطار، مثلهم مثل الخنزير جورج.

وقالت إحدى الأمهات: «كلما شاهدت البرنامج، زاد انزعاجي نتيجة الخيارات السلوكية المتاحة في هذا العمل الكرتوني». وذكر البحث أنه من خلال التركيز على صفات الشخصية الكرتونية «بيبا بيغ» نرى السمات التالية: تعاني من التعالي، سلوكها غير لائق، تفرض أفكارها بغض النظر عن أفكار الآخرين، وقحة، تحب المنافسة دون الشعور أبداً بالخسارة، غير متسامحة، لا تعرف معنى الاحترام، حسودة، متعجرفة، فخورة جداً. ولكن هل يدرك أطفالنا هذا كي يبتعدوا عنها؟

حاولوا أن تأخذوا جهاز الآي باد أو الموبايل من يد أي طفل من أطفالكم وهو يتابعها لتعرفوا ردة فعله.

بيبا الحبوبة وشقيقها جورج – بقلم علي عبيد الهاملي
العويس الثقافية ، اصدارات العويس