تستوقفنا مقارنة عقدها الباحث اللبناني فريدريك معتوق بين رائد علم الاجتماع في الثقافتين العربية والإنسانية ابن خلدون، والفيلسوف الأندلسي ابن رشد، ابن قرطبة، الذي وجد نفسه منفياً إلى مراكش في المغرب، لأن الخليفة الأندلسي يومها غضب منه، بعد فترة من قربه إليه.
وجاءت هذه المقارنة في سياق معالجة الباحث للتأثير الكبير الذي أحدثته العقلانية الفلسفية العربية المبكرة في الفكر والحضارة الغربيين، فيما عجزت عن إحداث التأثير نفسه في ثقافتها الأصل، أي الثقافة العربية الإسلامية.
حين يدور الحديث عن الرجلين، ابن خلدون وابن رشد، فإننا إزاء قامتين مهمتين أثرتا الفكر الإنساني، وشكّلت مؤلفاتهما فتوحاً مبكرة في الفكر والفلسفة، وهذا ما يؤكده معتوق في كتابه «مرتكزات السيطرة الشرقية – مقاربة سوسيو معرفية»، ولكن الفارق هو أن تأثير ابن رشد في الثقافة الغربية عبر ما يدعوه الباحث ب«التلاقح الأندلسي»، كان مهماً وجذرياً في تشكّل الفكر الفلسفي الغربي الحديث، وهو ما لم يتيسر لابن خلدون «على الرغم من أن نظريته في العمران البشري لا تقل أهمية عن تلك التي وضعها أوغست كونت وإميل دوركايم في فرنسا بعد خمسة قرون ونيف» كما يقول الباحث.
ليس السبب، إذاً، في كون مكانة ابن رشد كفيلسوف أكبر من مكانة ابن خلدون كعالم اجتماع، وإنما في حقيقة أن الأول تفاعل تفاعلاً حياً مع الثقافة الغربية، ولم يكتف بالكتابة بالعربية، وإنما كتب أيضاً باللاتينية والعبرية، ما سهل نشوء ما عرف لاحقاً بالرشدية اللاتينية، وهي حركة فلسفية غربية، بمنطلقات رشدية، أي عربية – إسلامية، فابن رشد الذي انطلق من أعمال الإغريقي أرسطو وشرحها نجح في تحقيق «إنسيابية العقلانية الرشدية في عروق التفكير الغربي»، فيما سدّت الدروب في ثقافتنا أمام عقلانية ابن رشد.
لن يكفي القول إن أوروبا رحبت بالرشدية فيما حاربها أهلها العرب، فأفكار ابن رشد لم تسلم من الحرب عليها من قبل التيارات المحافظة في الغرب، تماماً كما حاربها المحافظون العرب، وأسباب انسياب أفكار ابن رشد في عروق التفكير الغربي يعود بالدرجة الأساسية إلى أن أوروبا في تلك الفترة، من وجهة نظر التحوّل الاجتماعي الشامل، كانت أكثر جاهزية لذلك مقارنة بالحال العربية.
بين ابن خلدون وابن رشد – بقلم حسن مدن
جريدة الخليج
العويس الثقافية
اصدارات العويس