هوس الألقاب- بقلم إبراهيم الهاشمي

ابراهيم-الهاشمي

انتشرت قبل مدة، مجموعة من الألقاب التي لم نكن نعرفها أو نسمع بها، وصفاً لأشخاص كان لهم باع طويل في علم معين أو حقل بذاته، بعد عطاء مميّز ونتاج ملموس، عبر سنوات طويلة، كأن يطلق على شخص ما «خبير» كونه مارس عملاً أو قدم في حقل معرفي علمي إنساني، ما يشفع للناس إطلاق ذلك عليه، أو «مؤرّخ»، سبر التاريخ، وتعامل مع أسراره، في حقبة معينة أو منظومة جغرافية معينة، وكتب عنها الكثير؛ فيستحق اللقب.

لكننا اليوم نرى ونقرأ من يضع أمام اسمه «خبير» أو «مؤرخ» أو «مدرب معتمد» أو «كوتش» وهو ما زال في ريعان الشباب، ولم ينشر له شيء يشفع له بذلك اللقب، بممارسة واقعية، أو كتب في متناول القراء.

أذكر فيما أذكر، أنه في مرحلة معينة، انتشرت في البلاد منافسة شديدة في طلب الألقاب وتحديداً ما يسبق الاسم بحرف «د»، أي «دكتور»، فوشح كُثُر أسماءهم بذلك الحرف، مؤكدين حصولهم على الدكتوراه من بلدان لا يفقهون حرفاً واحداً من لغتها، أو حصل عليها أفراد لم يتجاوز تعليمهم الثانوية العامة، ما دفع وزير التربية والتعليم العالي، آنئذٍ إلى منع أي شخص من وضع لقب «الدكتور» قبل اسمه، قبل معادلة شهادته العلمية من الوزارة وتوثيق الاعتراف بها. ورأينا كيف توقف كثر عن وضع حرف «د» قبل أسمائهم، حتى مرت مرحلة ذلك الوزير، ثم «عادت حليمة إلى عادتها القديمة».

المشكلة أن الكثير مع انتشار مواقع التواصل، استهوتهم المسمّيات والألقاب، فصرنا نسمع ونرى الكثير، ممن أغوتهم تلك المسمّيات إلى المسارعة في التبجّح بها للدلالة على مكانتهم ووضعها قبل أسمائهم من مسميات «خبير – مستشار – مؤرخ – مدرب معتمد – موجه – مصلح اجتماعي» وغيرها، من دون حسيب أو رقيب .
 والمضحك المبكي أن بعض أولئك لم يتجاوز أول سلم التعليم الأكاديمي، وما زال يتعلم ألف باء العمل، لكن حبّ الظهور والجوّ العام يسمحان له بالادّعاء دون أن تطاله أي يد، وبعضهم الآخر يزكّي نفسه قبل أن يزكّيه الناس، ودون أن يكون له منتج علمي أو بحثي يضعه في خانة الخبراء أو الباحثين المميزين أو المؤرخين المعتمدين فلا ينشر شيئاً أو يتحدث إلا سابقاً اسمه بلقب.
كنت قبل مدة أطالع مادة بحثية، صنّف المترجم نفسه فيها بالمؤرّخ الخبير، فبحثت في أرشيف المكتبات والجهات والمسمّى «غوغل» فلم أجد له أثراً يذكر.
هناك مثل شعبي معروف في الإمارات يقول «الأسامي في النّقا (أي الرمل)، وكل من يا (جاء) وانتقى (أي اختار)» واليوم نغير فيه قليلاً ونقول «الألقاب في النقا، وكل من يا وانتقى».

هوس الألقاب- بقلم إبراهيم الهاشمي
جريدة الخليج

العويس الثقافية

اصدارات العويس