هذه الأسئلة قد تثير الاستغراب، وحتى السخرية. مثلاً، تقول في محفل: يا أهل الفكر والفن، كيف النهوض بالإبداع الشعريّ؟ ما هي السبل الكفيلة برفع مستوى النصوص المسرحية؟ هل يمكن الارتقاء بالكتابات الساخرة شكلاً ومضموناً؟ يقهقه أحدهم: هي ذي دعابة لم تكن تقصدها. يعقّب آخر: حضرة المتعالم يريد أن نشكّل لجاناً للإبداع، ونحيل المبدعين على التقاعد. هنا يعلن صائح نقطة نظام: الحلّ هو أن ننشئ مدارس في الإبداع المتخصص: فرع تخريج الروائيين، شعبة تفريخ الشعراء، أكاديمية الأدب الساخر… ما يدرسه الطلاب في هذه الشعب والشعاب والتشعبات، مختلف تماماً عمّا يُدرّس في معاهد الفنون الجميلة وكليات الآداب. في هذه المجالات يقضون السنوات المقرّرة، حتى الحصول على الشهادة، في ممارسة العمل الإبداعي.
حين تعود إلى الواقع من هذه الجولة الغرائبيّة، تسأل: ما الذي يحمل العاقل على هذه الأوهام الثقافية؟ لكن، إذا اعتمدنا المقارنة، أدركنا أن تلك المشاهد التي تلوح دعابة، هي يجري العمل به في معاهد الموسيقى. ما هو المقرر الجاد لمن يطمح إلى أن يكون مؤلفاً موسيقياً، بمفهوم الموسيقى الجادّة؟ ثمة أصناف من المناهج: خمس سنوات، عشر سنوات، وثمة اثنتا عشرة سنة (4 في 3). التخصص في آلة موسيقية، يقضي عادة بالتمارين ست ساعات يوميّاً، طوال سنوات الدراسة. هنا المقارنة: أيّ طالب في كلية الآداب يتدرّب على الكتابة ست ساعات في اليوم على مدى سنوات الدراسة؟ في الحقيقة، البداية السليمة يجب أن تكون في بداية الثانوية. النوابغ في الرياضيات والفيزياء يطبّقون شيئاً من هذا القبيل في تمارين المجالين.
في الموسيقى أيضاً، لا بدّ لمن غايته التأليف الموسيقيّ أو قيادة الأوركسترا، أن يحيط بقواعد التأليف ويلمّ بالتوزيع الأوركسترالي، فهل ثمة تأهيل مماثل للطامحين إلى الإبداع الأدبي؟ الفنانون التشكيليون محظوظون كالموسيقيين، فطوال سنوات الدراسة يظلون يرسمون أو ينحتون، وعندما يتخرّجون ويشرعون في الخطوة الأولى على طريق الألف ميل من الإبداع، تكون كل المفاتيح التنفيذية في أيديهم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: ما المانع من التفكير في مناهج أدبية جديدة، تضع في الحسبان التأهيل للإبداع؟
جريدة الاتحاد
الأسئلة الثقافية المنسية – عبداللطيف الزبيدي