الصحيح طبعاً أن نقول: إيطالية لا «طليانية»، لكن لا بأس من مجاراة صديقنا شكري المبخوت، ونؤنث عنوان روايته «الطلياني»، فنقول عن المرأة التي نحن بصدد الحديث عنها هنا «الطليانية». وإذا كان «طلياني» المبخوت شاباً تونسياً عرف بهذا الاسم لوسامته، فإن «طليانية» حديثنا ليست تونسية، ولكنها ولدت ونشأت في تونس حتى التاسعة عشرة من عمرها، لتغادرها بعد ذاك مع والديها، اللذين سبق لهما أن أتيا تونس، واستقرّا في منطقة «حلق الوادي»، في العاصمة التونسية.
نحن أشقاء تونس سمعنا ب«حلق الوادي» أول مرة في أغنية فريد الأطرش «بساط الريح»، يوم كان هذا البساط السحري ينتقل من قُطر عربي إلى آخر، في زمن آخر غير زمننا، مترع بالآمال والطموحات، وربما الأوهام أيضاً، فينطلق إلى سوريا ولبنان، ومنهما نحو بغداد «بلاد خيرات.. بلاد أمجاد»، قبل أن يسأل البساط الطائر: «مراكش فين وتونس فين»، وحين يصل الأخيرة، تصادفه «غزلانها البيضا تصعب على الصياد/ غزلان في المرسى ولّا في حلق الواد».
إلى حلق الوادي هذا أتت، قبل يومين «الطليانية»– التونسية كلوديا كاردينالي، لتدشن شارعاً باسمها في حفل تكريم لها نظمته بلدية المدينة، وجمعية «صقلية الصغيرة»، وهو الاسم الذي يطلق على حلق الوادي، لأنه حي يقطنه إيطاليون أغلبيتهم يتحدرون من جزيرة صقلية، التي منها أتى والدا الممثلة البالغة اليوم 84 عاماً، وتعدّ من أشهر نجمات السينما خلال السبعينات والثمانيات في فرنسا وإيطاليا، وتركت بصماتها في أدوار محفورة في الذاكرة السينمائية.
وفي عام 1957، فازت كاردينالي، البالغة من العمر 19 عاماً حينها، في مسابقة ل«أجمل إيطالية» في تونس المستقلة حديثاً، وكانت جائزتها عن هذا الفوز رحلة إلى مهرجان البندقية السينمائي، حيث جذبت أنظار الشخصيات السينمائية المؤثرة، لتحصل على دورها السينمائي الأول، في فيلم «لو بيجون» للمخرج ماريو مونيتشيلي.
وفي حفل تدشين «شارعها» في حلق الوادي قالت كاردينالي إنها تشعر «كأنها في وطنها»، وإنها لا تزال تحتفظ في نفسها بأشياء من تونس، وبالأخص «مناظرها الطبيعية وأهلها وحفاوة الاستقبال وانفتاحهم»، وتحدثت عن تمسكها بجذورها التونسية وتعلقها بتونس، مسقط رأسها. أما رئيسة بلدية حلق الوادي فاعتبرت كاردينالي «مواطنة بأتم معنى الكلمة في حلق الوادي وفي بلدنا الجميل تونس».
ولن ننجو من المقارنة بين زمنين ونحن نقرأ جوانب من سيرة كلوديا كاردينالي، حين نقرأ أن والديها أتيا تونس مهاجرَين من مسقط رأسيهما صقلية، بحثاً عن أوضاع معيشية أفضل، زمن كان الأوروبيون يأتون إلى تونس وسواها، بحثاً عن حياة أفضل، وزمن يخاطر فيها شباننا بحياتهم فارّين من بلدانهم على متن قوارب للإبحار إلى أوروبا.
«طليانية» من تونس – بقلم حسن مدن