المربعة.. أحد شواهد الطين – بقلم ناصر الظاهري : كان يكفي أن تقول المربعة، فلا تضل طريقك، ولا يضيع دربك، كانت عنواناً لكل القادمين والخارجين من العين قديماً، ففي ذلك الزمان غير البعيد كانت تتراءى لنا قلعة المربعة من بيوت الحارة، كان لا يجاورها إلا نخيل من بعيد، يحيط بأطرافها، كانت حولها الأرض فضاء، وسيح طلق، يأتي من يحتطب فيه، ومن يحرق «الصخام».
وحين يهجم الجراد، يهرع الناس لملاقاته عند تلك القلعة، شرقها أو شمالها لكي لا يدخل المدينة، يشعلون النيران، ويجنونه في أكياس الرز أو قوس التمر المصنوعة من سعف النخل أو ما بمقدار ما يحمل إزار الرجل محمولاً على ظهره أو مركباً على رأسه، كانت غير بعيد عنها شجرة غاف أو سمر كبيرة، ربما كانت تسمى الجَزّة، ستشهد على المحكومين عليهم بجرم عظيم، وكانوا قليلاً، ولا يتعدون الأصابع إلى الخنصر.
وغير بعيد عنها سوق العين القديم، بدكاكينه الطينية أو برزاته تحت أشجار السدر العملاقة، وقلعة وقصر الحصن الذي كان يومها يسد عن المربعة قبل بنائها في جزء منه مكان لحبس المتعدين وذوي النوايا الإجرامية في مكان يسمى «الطاموره»، وبعد القصر هناك حارة الحصن.
اليوم.. مرّ على بناء المربعة أربعة وسبعون عاماً، بعد ما أمر المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، بإقامتها لتخدم الناس، وكان البناؤون، من الناس المحليين، تفازعوا كعادة ذاك الزمن الجميل، أحد يسوق الحصا، وأحد يجلب الجص، وآخر يهيل التراب، وآخر يعمل «اللغيغة» ليصنع طابوقاً من الطين، ومن «يزفن الزور والدعون».
ومن يصلح المعاريض، ومن يجدل الحبال، حتى اكتملت بلون تراب العين، من يومها ستكون مركزاً لما سيعرف فيما بعد بشرطة أبوظبي، في البداية كانت تضم حرّاساً من أهل الدار كانوا يتولون الحراسة والمراقبة وحفظ الأمن، والذين انضم جلهم فيما بعد إما للشرطة أو قوة دفاع أبوظبي، وبعضهم خدم في «قوات ساحل عُمان أو كشافة الساحل المتصالح».
كبرت المربعة، بعدما كبرت المدينة، وأصبحت فيها قوات نظامية، ثم غدت مركزاً مهماً للشرطة والمرور، وكثير من جيلي أخذوا رخص السوق «الليسن» من ذلك «التراي» الصعب عندها، وخاصة ذلك المطلاع الذي على السائق الجديد أن يجتازه، ويتوقف في منتصفه دون مكابح القدم أو اليد، فقط بمعادلة دواستي «البترول والكلج».
مرّ على المربعة كمركز للشرطة كثيرون، لعل المغفور له الشيخ مبارك بن محمد أولهم، والمغفور له حمودة بن علي، والمغفور له الشيخ أحمد بن مبارك، وحمد بوقطعة، وسهيل بالكاز، وحمد سعيد الحساني وسالم التاجر، وخليفة الدويبة والرشاش والصيعر، وكثيرون كلهم من أهل الدار.
تعد قلعة المربعة آخر القلاع التي بنيت عام 1948، وهي تمثل المعمار المحلي بكل بساطته، وبكل منافعه التي بني من أجلها، وعلينا أن نوثقها كعمل سينمائي متخصص وعميق في حكاية هذه القلعة، لكي تدوم، ولكي لا تفلت الأشياء من بين أيدينا، فعجلة الزمن سريعة، ومن بقي من الكبار الأولين تساقطوا واحداً تلو آخر، بعد أن طوى الكثير منهم النسيان، وظلوا وحدهم يتذاكرون حكايات ذاك الوطر الجميل، وحكايا ناسه الطيبين، وسرديات ممتعة عن تلك القلعة التي سميت لمعمارها بالمربعة.
المربعة.. أحد شواهد الطين – بقلم ناصر الظاهري