قنديل يحيى حقي : ويحيى حقي، الشخصية التي احتفت بها الدورة الثالثة والخمسون من معرض القاهرة للكتاب، رائد من رواد القصة القصيرة، يعرفه العرب من خلال روايته الأشهر «قنديل أم هاشم».
تحولت فيلماً من إخراج كمال عطية، بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد. شابة تفقد بصرها بسبب الخرافة وتستعيده بفضل العلم. واليوم، بعد ثلاثين عاماً من رحيل صاحب القنديل والبوسطجي، ما زالت قناديل كثيرة تنتظر زيتاً مضيئاً يحمي البسطاء من المشعوذين.
أصدرت كل من صحيفتي «أخبار الأدب» و«المصور» عددين خاصين عن يحيى حقي. أديب ومؤرخ ومحام ودبلوماسي وصحافي عاش أعماراً في عمر. وقد تبدو الأعداد الخاصة نوعاً من ملفات رسمية ومقالات مسلوقة تمتدح وتشيد وتصقل وتلمع. لكن في هذين العددين الوفير من الدرر ومن متعة الغوص والصيد الجميل.
في «أخبار الأدب»، يستعيد الدكتور عماد أبو غازي الصداقة التي جمعت بين يحيى حقي ووالده بدر الدين أبو غازي. وحين أصبح بدر الدين وزيراً للثقافة عقب الرحيل المفاجئ لعبد الناصر، اتصل بحقي هاتفياً لمشاورته والاستنارة بآرائه. اتفقا على لقاء لكنه تأخر. وتدخل «أبناء الحلال» وقالوا للأديب إن الوزير ليس مشغولاً لكنه لا يريد أن يراه. ولم يكن يحيى حقي ممن يعيرون الأذن للصغار. بادر وبعث بخطاب يقترح فيه على صديقه الوزير مجموعة من الخطوات التي تصحح غبناً وقع على كبار المثقفين.
ينشر عماد أبو غازي (الذي أصبح وزيراً للثقافة أيضاً في فترة لاحقة) صورة خطية من الخطاب. وفيه يناشد الأديب صديقه الوزير البحث عن الكفاءات المنزوية التي لا يسأل عنها أحد، مثل جمال حمدان، أحد أعلام الجغرافيا في مصر، وصبري السربوني الذي يواجه عراقيل في نشر كتابه عن حضارة العرب في أفريقيا. يطلب يحيى حقي من الوزير: «اسأل عنه وقل له: ما هي متاعبك». ثم يوصيه باستعادة كفاءات هاجرت، والاعتناء بالشباب، وزيادة البعثات الدراسية في فروع الثقافة، وفتح فصول حرة في المعاهد الفنية، وتحريك النقابات الفنية لأداء واجبها الثقافي.
وهناك مقال لرجاء النقاش عن يحيى حقي الإنسان المتواضع البسيط. يقول إنه حضر، أيام الوحدة مع سوريا، محاضرة له بدعوة من جامعة دمشق. وقد ألقى حقي محاضرته بصوت خافت غير مؤثر، مع أنه كان يقدم واحداً من أخطر البحوث التي عرفها النقد العربي المعاصر، عنوانه: «حاجتنا إلى أسلوب جديد».
وفي عدد «المصور» يكشف الروائي يوسف القعيد عن مقال لذيذ ليحيى حقي عن الممثلة سعاد حسني، وكانا ضمن مجموعة من أهل الأدب والفن توجهت إلى الجبهة، بعد هزيمة 67، لرفع الروح المعنوية للجنود. جلس الجميع في الحافلة حسب الموعد وتأخرت النجمة. ويكتب يحيى حقي: «لو كان الذي غاب إنساناً غيرها لقمنا وسافرنا. لكننا انتظرنا بطيب خاطر، حتى صوت الموتور كان ينطق أن نية السفر غير صادقة. وأخيراً هلت سعاد. الجمال المصري بسمسمته وخفة ظله. قليلة الحجم لينة تُصر في منديل. بدت لي حينها تلميذة اختطفت من حوش المدرسة وكل مناها أن تعود إليه. ودهشت حين وجدت الجنود يستقبلونها استقبال شقيقة أوفدتها الأسرة لزيارتهم. انعدمت في نظرهم الأنثى وبقيت الأخت القادمة من حوش المدرسة. وكانت سعاد وهي تقدم للجندي هديته من الحلوى ترخي جفنها لئلا يرى دموعها. دموع ليست من الجليسرين».
عن لقائه بجمال عبد الناصر، كتب يحيى حقي: «وجدت رجلاً أسمر الوجه، حاد النظرات، لم يتكلم كثيراً وكان اهتمامه أن يسمع. عيناه وصلتا، ليس إلى كبدي، بل إلى طحالي».