رحل قبل أسابيع في مغتربه الأسترالي الموسيقار العراقي عبدالحسين السماوي، الذي أرخ لألمع جواهر الحنين في قلادة الغناء الفضي العراقي. مات بكرامة بعيدا عن الوطن ما يجعل الموت سعيدا ولو مرة واحدة في التاريخ!
تشابه الاستذكار في كل ما نشر بعد رحيل السماوي، ولا أحد انتبه للعمق التعبيري في ألحانه كونه يمثل علامة مهمة في أغنية البيئات العراقية، ومع أن السماوي كان من بين صاغة هذه الأغنية بعد جيل الخمسينات المؤسس، فضلَ أبوعلي العمل بصمت أكثر مما رافق أبناء جيله من حضور إعلامي محمد جواد أموري وفاروق هلال وطالب القره غولي ومحسن فرحان وكوكب حمزة.
لكن بمجرد تعليق قلادة الغناء التعبيري العراقي، تلمع في أعلى العقدة ألحان السماوي، وهو ما ذكرته كل التقارير الصحافية المبتسرة عنه مشيرة إلى أغاني سعدي الحلي وداود العاني وفؤاد سالم وفاضل عواد وحميد منصور وكمال محمد وعبد محمد.
من بين ما غاب على كل من أستذكر واستعاد وتألم على رحيل الموسيقار العراقي، أغنية تكاد تقدم درسا تعبيريا مذهلا، عندما صاغ السماوي الأرواح أقراطا تذوب ولها في صوت الفنان فاضل عواد، وحوّل “عيني يم عيون تضحك” النص الملتاع عشقا للراحل جبار الغزي إلى ترنيمة نادرة في الحب العراقي آنذاك “هل غاب الحب عن غناء العراقيين؟” يا للخيبة عندما نعرف الإجابة!
هذه الأغنية درس في الموسيقى التعبيرية وفي عمق النص، فالشاعر الغزي أول من جعل العيون تضحك، والملحن السماوي اعتصر روح الكلمات وجعلها حمامة تحلق هائمة بالقلوب، فيما عبّر فاضل عواد بصوته العميق عن ذهول التساؤل بين العاشق الملتاع المترقب للإجابة من الحبيبة.
مرت الأغنية بين ما مر من تاريخ موسيقي عراقي تعبيري، ولم تحظ بالدراسة والاهتمام مثل ألحان عبدالحسين السماوي الأخرى، بل إن كل التقارير التي استعرضت تجربته لم تذكر “عيني يم عيون تضحك”.
عبدالحسين السماوي كان أول من اكتشف صوت رعد ميسان، كانت الإذاعة العراقية تعيد أغنيته الوحيدة “وظلت وحيدة” أكثر من مرة يوميا، وعندما ظهرت “يا ريحانة” على شاشة تلفزيون بغداد بقيت أشبه بترنيمة عاشق صغير أطل من بين الأصوات المتسابقة في سرقة قلوب العراقيين آنذاك، لم يتخط رعد ميسان هذه الأغنية التي صاغ لحنها عبدالحسين السماوي لطبقات صوت شاب صغير لفت الأنظار إليه وسرعان ما غاب بعدها.
لقد فقدت قلادة الغناء العراقي السبعيني صاغتها الماهرين فبعد أموري والقره غولي، ها هو السماوي يلوح بعيدا عن عراق أحبه ولم يجد فيه غير الازدراء، ورقد مطمئنا في مغتربه الأسترالي، بينما بقي إرثه الموسيقي بلا أرشفة أو توثيق وضاعت ألحانه الرائعة على يوتيوب، فثمة من ينسبها إلى غيره وثمة من لا يعرف ملحنها.
رحل عبدالحسين السماوي، لكن العيون بقيت ضاحكة منذ الأمس، وسيستعيد العراقيون تلك العيون الضاحكة بصوت فاضل عواد، كلما اندفع العقل القبوري بتحويل الأغاني إلى مراث ولطميات طائفية.
صحيفة العرب