أثناء لقائه المشاركين في ملتقى «قادة الإعلام العربي» الخامس، الذي استضافه «نادي الشارقة للصحافة» الأسبوع الماضي، وشارك فيه 100 من القيادات الإعلامية العربية، أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن الصحافة علم وحرفنة ومعرفة ومهارة.
وقال إن على الصحفي، سواء كان كاتباً أو متحدثاً في التلفزيون أو الإذاعة، أن يدرك حجم الكلمة التي يكتبها أو ينطق بها وأهميتها، كونها أساس كل تكوين.
وأوضح أنه يجب أن يتمتع الصحفي بحس المسؤولية، وأن يكون نقي السريرة، ونظيف النية، يبني ولا يهدم، ويوفق ولا يفرق. وشدد على أهمية الكلمة وخطرها وتأثيرها في المجتمعات والدول، مؤكداً أن الكلمة أمانة.
لا أعرف إن كان من باب الصدفة أم أنه توافق في الأفكار، أن يلتئم على أرض دولة الإمارات خلال الفترة نفسها ملتقيان؛ الأول تحت عنوان «ملتقى قادة الإعلام العربي»، والثاني تحت عنوان «القيادات الإعلامية العربية الشابة».
وهذه ظاهرة صحية أن تكون أرض الإمارات مكاناً لمثل هذه الملتقيات، إذ لا أظن أرضاً عربية أخرى في الوقت الحاضر مهيأة لأن تكون ساحة لمثلها، في ظل هذا الوضع الذي تتواجه فيه على الأراضي العربية أفكار وعقائد واتجاهات، وتتصارع فيه دول ومنظمات وجماعات وحكومات تعتبر نفسها شرعية، لتخلق حالة من الفوضى لم يشهدها الوطن العربي منذ أمد بعيد.
في ملتقى «قادة الإعلام العربي» الخامس، دار الحوار حول واقع الإعلام العربي والمستقبل المأمول، والتطورات الجديدة في الإعلام، والمتغيرات المهنية، والإعلام باعتباره منبراً لقيادة الرأي العام.
وعلى خلاف الملتقيات الأخرى، لم يكن هناك متحدث رئيس ومعقبون أو متداخلون، وإنما كان هناك مدراء يتولون إدارة الجلسات، ويوزعون الحديث بين الراغبين في إبداء آرائهم.
وقد كسر الملتقى بهذا النمطية المعهودة، وإن كانت الحوارات لم تخرج عن هموم المهنة وتحدياتها، كعادة الإعلاميين في كل ملتقى، وهي تحديات تفرضها عليهم التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي الحديثة بمنصاتها المختلفة، كما يفرضها عليهم من يُطلَق عليهم «المؤثرون» بحساباتهم التي تحصد ملايين المتابعين، في الوقت الذي يتراجع فيه عدد متابعي وسائل الإعلام، التي يُطلَق عليها تقليدية، وتتراجع بالتالي مداخيلها من الإعلانات التجارية، فينعكس ذلك على ميزانياتها، رغم أن بعضها يتلقى دعماً من الحكومات التي يتبعها.
أما في ملتقى القيادات الإعلامية العربية الشابة، الذي عُقِدت دورته الثانية بتنظيم من «مركز الشباب العربي» في «مركز الشباب» بدبي، وشارك فيه 100 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 19 و 30 عاماً من العاملين والدارسين في مجال الإعلام من 15 دولة عربية، فقد كان الهدف هو الارتقاء بخبرات المواهب الإعلامية الشابة والمؤثرين، وصقل مهاراتهم، للمساهمة في تأسيس منظومة إعلامية متكاملة وإيجابية، تضمن استمرارية تطور القطاع.
لذلك ركز برنامج الملتقى على تنظيم جلسات حوارية للمشاركين مع مجموعة من الخبراء والرواد في مجال العمل الإعلامي، وإقامة ورش متخصصة لهم، وتنظيم زيارات للمؤسسات الإعلامية العاملة في دولة الإمارات.
وأثناء زيارة الشباب المشاركين في الدورة لمركز الأخبار التابع لمؤسسة دبي للإعلام، كان واضحاً أن لدى هؤلاء الشباب تعطشاً لمعرفة شروط مهنة الإعلام، وأن لديهم طموحاً لتطويرها وتطوير أنفسهم.
لذلك كان ضرورياً أن يعرفوا أن أول شروط هذه المهنة أن يكون من يمارسها عاشقاً لها وليس موظفاً، وأن يكون لديه شغف يجعله يترك ساعته على باب الوسيلة التي يعمل بها، وإلا غدا موظفاً مثل غيره من موظفي المهن الأخرى، يأتي ويغادر في أوقات محددة ليتقاضى راتباً في نهاية الشهر.
كنت أتمنى لو أن القيادات العربية الشابة حضرت لقاء صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي قادة الإعلام العربي.
إذن لكانت قد استمعت إلى خطاب رصين وعاقل من حاكم يحمل حساً إعلامياً ووطنياً وقومياً عالياً، ويغار على هذه المهنة أكثر من أصحابها، ويقدِّر دور الإعلام، ويعرف للإعلاميين قدرهم ومكانتهم ودورهم.
كما كنت أتمنى لو أن المشاركين في الدورة الثانية من برنامج «القيادات الإعلامية العربية الشابة» حضروا ملتقى «قادة الإعلام العربي» الخامس.
إذن لاستمعنا إلى حوار مختلف بين جيل يتأهب لدخول معترك مهنة الإعلام، وجيل عركته هذه المهنة، وأصبح على مشارف تسليمها للجيل الجديد، وسط حديث لا ينقطع عن صراع الأجيال وحتمية الانتقال، وعن تراجع وسائل وتقدم وسائل، وعن مخاوف من اختفاء وسائل، وأخرى من اختفاء وظائف وظهور وظائف.
كنت أتمنى لو أن هذا الحوار حدث بين المشاركين في الملتقيين، إذن لخرجنا بنتائج تصب في مصلحة الطرفين، حيث سيستفيد منها قادة الإعلام العربي العاملون في المهنة، تماماً كما ستستفيد منها القيادات الإعلامية الشابة التي تستعد لدخول المهنة، فنقل الخبرة ضروري جداً، تماماً مثلما هو التطوير والتحديث والتغيير ضروري أيضا. والذين يظنون أن الجيل الجديد يلغي خبرة الجيل السابق مخطئون، خاصة في مهنة الإعلام التي يمثل تراكم الخبرة فيها شرطاً للإبداع، مثلما تمثل متابعة الجديد شرطاً للتميز.
أثناء حواري مع القيادات الإعلامية العربية الشابة المشاركة في الدورة الأولى العام الماضي، والدورة الثانية هذا العام، لاحظت قلق هؤلاء الشباب من الحصول على فرص وظيفية في وسائل الإعلام بعد تخرجهم.
وأثناء حضوري ملتقى قادة الإعلام العربي لاحظت قلق هؤلاء القادة من فقد العاملين في وسائل الإعلام الحالية لوظائفهم. في رأيي أن كلا القلقين مشروع، وأن كليهما في محلهما.
جريدة البيان