الحوار مع الأكاديمي والمترجم الإسباني الدكتور لويس ميغيل كانيادا مدير مدرسة الترجمة في طليطلة وعضو مجلس أمناء جائزة ترجمان، حوارٌ ماتعٌ وثريٌّ، لأنّه يشفّ عن قضايا مهمّة، هي أشبه بالشعر الذي يترجمه، ولأنّ الذائقة تتدخّل في كلّ مفردات هذا الحوار الذي أجرته «الاتحاد»، حول هموم الترجمة النقيّة وقضيّة خيانة النصّ، والعلاقة بين الشّكل والمضمون في نقل الأدب العربيّ إلى لغاتٍ أخرى، وما الذي يغلب على منصّة الترجمة العالميّة: الروح المخلصة للأدب، أم العلاقات والصداقات والأسماء التي نالت من الشهرة ما يجعلها متداولةً في البيع والتسويق وخلافه؟! وقد تمّ التطرّق إلى صعوبات المترجم شخصيّاً وتحديات السرد والشعر واختياراته في ذلك، والجهود الإسبانيّة في التعريف بأدبنا العربي وترويجه.
وفي كلّ ترجماته، يحرص الدكتور كانيادا، المشارك في ندوة الشعر والترجمة ضمن فعاليات الدورة الأربعين لمهرجان الشارقة الدولي للكتاب، على الوصول إلى صوت الشاعر ونبرته الخاصّة، مؤكّداً ما للشعر العربيّ من ثراء يستحق نقله وترجمته، معترفاً بأنّ الإبداع في الشّكل كثيراً ما يؤثر لدى المترجمين على الإبداع في المضمون.
الدافعيّة والمضمون
حول دافعيّة المترجم لنقل الشّعر من لغةٍ لأخرى، وهل ثمّة ما يجعل الشعر المترجم يفقد مضمونه أو بنيته الأصيلة، يؤكّد الدكتور كانيادا أهميّة أن يكون المترجم حِرَفيّاً يختبئ خلف كلمات المؤلفين، لتوسيع صداها، بينما يبقى هو وراء السّتار في العتمة وحيداً، فهي مَهمّة ومهنة يجب أن يكون وراءها الحبّ الذي يشعر به تجاه لغته الأمّ ولغة الآخر، زيادةً على أنّ المترجم كلّما ترجم كتاباً جديداً يعيش حياةً إضافيّةً لحياته العاديّة، بما في ذلك متعةٍ ومشقّة.
ويرى الدكتور كانيادا أنّ الدافعية هذه نابعةٌ أيضاً من أنّ المترجم لديه قناعة بمدى ما يقدّمه الشعر العربيّ أو يضيفه للشعر الغربيّ أو العجميّ بوجهٍ عام، أمّا في ما يتعلّق بمدى فقدان النصّ المترجم شيئاً من مضمونه وبنيته، فيرى أنّ الترجمة عمليّة تفقد خلالها حيناً وتربح حيناً آخر، غير أنّ ما تربحه دائماً هو أكثر وأغنى مما تخسر، وفي الشعر المترجم، يرى الدكتور كانيادا أنّ الإبداع في الشكل يسيطر على الإبداع في المضمون، فيصبح التجديد في طريقة القول هو الهدف الأساسي، وهو ما يجب مراعاته إلى أبعد حدّ.
وفي رحلته مع الترجمة من العربيّة إلى الإسبانيّة، يشرح الدكتور كانيادا، الذي اعتاد حتى الآن ترجمة الشعر المعاصر، أنّ الصعوبة عنده لا تكمن في فهم المفردات والصّور ونقلها، وإنّما في إيجاد النبرة وصوت الشاعر الذي يميّزه عن الآخرين، على صعوبة ذلك وعدم تحققه في أحيان معيّنة، وبشكلٍ طبيعيٍّ تماماً، فالمترجم يعرف أنّ هناك باباً يؤدي إلى ذلك الصّوت، ويمكن أن يكون في كلمة واحدة من كلمات شاعر، أو في بيتٍ معيّن، أو نغمة، أو شعور، أو فكرة، فالصعوبة هي في إيجاد هذا الباب الذي يقودنا إلى صوته في الديوان قيد الاشتغال والترجمة.
اختيارات وأذواق
وحول معايير اختياره شاعره الذي يترجمه، هل هي ضمن مشروع مسبق أم عمليّة شغف تلقائي ومحبّة؟ يروي الدكتور كانيادا، أنّه ومنذ ما يقرب من خمسةٍ وعشرين عاماً، في مدرسة طليطلة للمترجمين بإسبانيا، يقوم وفريقه بعدّة مشاريع ترجمة للأدب العربيّ الكلاسيكيّ والمعاصر، إضافةً للسِّير الذاتيّة وأدب الأطفال، وقد صدر منها في دور نشر أكثر من مئة كتاب بالإسبانيّة، استناداً إلى خطّة تقوم على معايير وآراء المترجمين الإسبان والمؤلفين العرب، بالإضافة إلى استشارات من ناشرين وصحافيين وقرّاء في معارض، كمعرض الشارقة الدولي للكتاب. وينوّه الدكتور كانيادا أنّ لديه امتيازاً، وبحكم كونه مديراً لهذه المشاريع، في اختيار الأعمال والمؤلفين الذين يشعر بأنّهم الأقرب له، فيقوم باتصالٍ مباشرٍ ودائمٍ معهم في هذا الموضوع.
وردّاً على سؤال: لماذا تنظر الترجمات دوماً للأسماء الكبيرة، مع إغفالها في أحايين كثيرة مشاريع شعريّة بارزة، يمكن أن يكون كتّابها من الشباب؟ يرى الدكتور كانيادا أنّ الترجمة ليست عمليّةً بريئةً أبداً، موضّحاً أنّ اختيار النصوص مرتبطٌ بشيء متداوَل وقت تنفيذ الترجمات، فقد يكون السبب تجاريّاً خالصاً، اعتماداً على أنّ الأسماء الكبيرة هي التي تبيع دائماً، أو قد يكون ذلك من أجل تعزيز فكرة «الأمّة»، كما يحدث في ترجمات النصوص الأندلسيّة على سبيل المثال، ومن جهةٍ ثانية، يعترف بأنّ خريطة الأعمال المترجمة في غالبها هي خريطة الصداقات والقراءات والاهتمامات الأكاديميّة لكلّ مترجمٍ أو مترجمة، فهي ليست خريطة التراث العربيّ، وليست نموذجاً عن التيارات الأدبيّة المعاصرة، فلا يمثّل ما يُقدّر أو يقرأ القرّاء العرب.
وحول مدى مساهمة الترجمات الإسبانيّة في التعريف بالشعر العربيّ، يؤكّد الدكتور كانيادا ذلك، مدللاً بأنّه في النصف الأول من القرن العشرين، كان لترجمات إميليو غارسيا غوميز للشعر الأندلسي تأثيرٌ على شعراء جيل 27 وخاصةً على فيديريكو غارسيا لوركا وديوانه الذي يحمل عنوان «ديوان التاماريت»، الذي تمّ تقسيمه إلى أجزاء سمّاها بالعربيّة «غزال وكاسيدا».
وفي ما يتعلّق بطغيان ترجمة السّرد على ترجمة الشّعر، لا يجد الدكتور كانيادا جواباً في ذلك، مفترضاً أنّ قرّاء السرد أكثر من قرّاء الشّعر، ولذلك تذهب الترجمات الكثيرة إلى جهة السّرد.
جريدة الاتحاد