حينما نطالع الصحف، ودعوني أكن دقيقاً، فأنا أقصد معظم الصحف الإماراتية، هل نلاحظ أي فرق بينها في الطرح أو الأخبار أو تناولها للقضايا المجتمعية المحلية، أو الأخبار العربية أو الدولية؟ هل تقدم ما يشفي غليل القارئ ويروي ظمأه للمعرفة؟ هل تقدم له وجبة ثقافية تعرّفه بالمنتج الأدبي المحلي لمبدعي الوطن وتحتفي به، فضلاً عن الأدب العربي والعالمي مع تحليل ونقد ذي قيمة وتوازن يبتعد عن التبجيل أو الإجحاف؟ هل وهل وهل؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة وتجول في الخاطر عندما نطالع صحفنا المحلية تجعلنا نتساءل: هل فعلاً وعملياً الصحافة هي السلطة الرابعة وضمير المجتمع ومرآة الوطن ولسان حال الناس؟
تتشابه معظم الصحف، فما تقرؤه هنا تقرؤه هناك. الأخبار ذاتها، العناوين لا تختلف، كلها تعتمد على ما يصلها من وكالات الأنباء، قد يقصر الخبر هنا أو يطول هناك حسب مزاجية محرر المادة في الجريدة، الشؤون المحلية لا يختلف حالها، فمعظها مكتوب من خلال المؤسسات المحلية المختلفة سواء كانت وزارات أو دوائر أو شركات قطاع خاص، وتنشر كما هي، مع خوف من عدم النشر أو النقد، لأن ذلك سيجر مقصلة منع الإعلانات على رقبة تلك الصحف، فتؤثر مبدأ السلامة والصمت، فلا نجد مواضيع طازجة ولا قضايا حية، مواد معلبة لا تعبر عن الوضع العام، لا نقصد أبداً التقليل من المنجز المتطور الذي وصلت إليه البلاد في قطاعاتها كافة، لكن بلا شك هناك نقاط ضعف أو مجالات تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لتعديلها أو تطويرها بما يتناسب مع تطور الدولة المطرد، فهل تضطلع صحفنا بذلك؟ علامة استفهام كبيرة تبرز عندما نطرح هذا التساؤل.
تطورت الصحف شكلياً وتقنياً وفنياً، لكن غابت الموضوعية عن معظمها، وكأن لسان حالها يقول كل شيء «تمام التمام» ولا قضايا تستحق الطرح، فالتعليم «عال العال»، والشوارع ليس مثلها شوارع في العالم، ومياه الأمطار لا تفضح البنية التحتية، وفي الزراعة وصلنا إلى الاكتفاء الذاتي فيها، والصحة ليست مريضة، وكل المواطنين جرى توظيفهم قبل أن يتخرجوا، رياضتنا تنافس عالمياً وفي كل الألعاب ومن دون مجنسين، محطاتنا الفضائية ليس لها منافس في ما تقدمه بعيدة جداً عن الإسفاف والتهريج، إذاعاتنا نبض الشارع ولسان حاله، الحال ليس كمثله حال، صحافتنا لا تخشى هذه الجهة أو تلك، فهي تؤدي واجبها الوطني الذي تأمله الدولة منها، والذي عبر عنه صراحة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في العديد من المناسبات والحوارات، حينما طالبها بفتح عيون الحكومة على ما يجب تصحيحه أو تطويره أو تلافيه من دون خوف أو وجل، ومن دون خشية من أي مسؤول يلجأ إلى وقف الإعلانات عنها حينما تكتب عما يحتاج إلى تعديل أو تطوير في الجهة التي يديرها.
هل صحفنا في ما تتناوله اليوم هي بقوة صحفنا في الثمانينات أو التسعينات؟ وسقف الحرية هل تراجع أم أنه ارتفع ولكن نسبة القوة لدى الجهات المختلفة وسلطتها على القوة الإعلانية ألجمت الصحف وأسكتت أقلامها عن قول الكلام المباح؟
صحافتنا تحتاج إلى وقفة صادقة متأنية تعيد إليها صوتها الحقيقي خدمةً للوطن وتطوره، وتجعلها السلطة الرابعة من دون رتوش.
جريدة الخليج