هل تستطيع التقانة أن تعطينا صورة عن قدرات الإنسان المستقبلية؟ مبحث فيه الفيزياء وفلسفة العلوم والتصوف والخيال العلمي، ما يذكرنا بالمقولة: «فيزياء المستقبل ستكون الميتافيزيقا».
خيال أن ترى فرقاً بين الصور والأصوات على شاشة حاسوبك، وبين الواقع المحيط بك وأنت جزء منه. لو أزيلت الفراغات التي بين ذرات الكرة الأرضية، لصار قطرها مئة متر. حينئذ يتسع كشتبان لسكان الكوكب. كم سيكون حجمك وحجمي؟ كأدق ذرة غبار تكاد لا ترى. لأن الذرة التي تتشكل منها مادة الكون المنظورة كلها، أكبر ما فيها الفراغ. نواتها أصغر من حجمها مئة ألف مرة. للتجسيد: ارسم دائرة للذرة قطرها مئة متر، ستكون النواة في وسطها كرة قطرها ملليمتر. تلك الكرة هي التي تمثل مادة جسمك. أمّا الإلكترونات ذات الشحنة السالبة، التي تدور حولها، فلا وزن لها. ليتر الماء لو أزلت الفراغ بين ذراته، لكان الحاصل: خمسة أجزاء من المليون من المليار ملليليتر، قل:لا شيء. قس ذلك على نفسك وكل ما حولك.
لك أن تدوخ: ذرة الغبار الدقيقة تلك، يصبح اسمها بيتهوفن فتبدع السيمفونية التاسعة. تلك الذرة تصنع القنابل الانشطارية باليورانيوم والانصهارية بالهيدروجين، وتتهدد الحياة والأحياء على الكوكب. ذرات غبار تسعد البشرية، وأخرى تشقيها وتكنسها غبارا. ذرات هي بحار قيم، وأخرى دمار وعدم. الخيّرة لن تنتصر قريبا على الشريرة. لكن حقول العلوم، الفيزياء بالذات لأنها الأمّ، حبلى بالأحلام. المستقبل البعيد ستكون فيه طفرات وقفزات عملاقة. نحن نعلم الآن أن ذرات الإنسان محمّلة بالمعلومات، لا شيء غير ذلك. الإنسان كائن حاسوبي عضوي حيّ له مكانة فريدة في هذا الكون، حتى وإن كان لا يعرف قدر نفسه حق قدرها. هذا التكوين المعلوماتي العاقل، المتشكل من الفيزياء الكونية، هو ما يبعث على الخيال العلمي الخارق. لك أن تذهب كل مذهب بلا حدود. هل من العسير الآن أن نتخيله بطاقته ومخزون معلوماتيته يخترق قيود المكان والزمان، بالانتقال الذاتي؟ قد يتطلب الأمر ألوف السنين وربما أكثر، من يدري، لكن المفاجآت العظيمة تحقق منها الكثير. أنت الآن تحمل في جيبك مكتبة مئة ألف كتاب ومليون قطعة موسيقية وخمسين ألف لوحة. سيرى أحفادك ذلك في نهاية القرن في متاحف الآثار.
بقي من القرن ثمانية عقود، إذا ظلت الديار العربية على حالها، في مناهجها وفراغ بحثها العلمي، فعندئذ سيتعامل الأقوياء علمياً مع العرب كذرات غبار فعلاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الصوفية: بالفيزياء، في إمكان الجِرم الصغير أن يكون كأجرام السماء.
جريدة الخليج