في خطوة احتجاجية على حجب جائزة نوبل للآداب لسنة 2018، التي تمنحها الأكاديمية السويدية، قررت مجموعة من المثقفين السويديين وصل عددهم إلى المئة، تأسيس جائزة بديلة، وهيئة جديدة تدعى «الأكاديمية الجديدة»، ويأتي تأسيس الجائزة البديلة بعد فضائح هزت لجنة تحكيم جائزة نوبل، وألحقت ضرراً بالغاً بالسمعة الأخلاقية لبعض مُحكّميها، في ظل الحديث عن فساد وتسريب لبعض أسماء الفائزين بالجائزة قبل الإعلان الرسمي عن ذلك، وهو ما أدى إلى تراجع الثقة بها.
أعلنت هيئة الجائزة الجديدة، عبر بيان صادر عنها، مجموعة معايير للترشح، ولنيل الجائزة المستحدثة، تبدو مختلفة عن معايير الجائزة التقليدية، وقالت: «إن هذه المعايير ستجعل الجائزة، حيزا مفتوحا وشموليا، يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم»، وأبرزت أن هذه المعايير تبدأ من اختيارات أصحاب المكتبات في البلد، الذين يمهلون حتى الثامن من يوليو/ تموز، لترشيح اسمين على أقصى تقدير، ثم ينظم تصويت شعبي على الإنترنت بين 9 و31 يوليو/ تموز، تُعدّ على إثره قائمة من أربعة مؤلفين، بعد ذلك تختار لجنة تحكيم تضم خبراء في هذا الشأن، الفائز من بينهم، ومن ثم يعلن عن اسم الفائز الذي يشترط أن يكون قد أصدر عملاً واحداً على الأقل في السنوات العشر الماضية، في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول.
لكن هذه المعايير تثير أسئلة إشكالية حول مدى قدرتها على تخطي حالة الفساد والمحاباة، التي كانت موجودة، كما أنها تطرح إشكالية تقييم الأدب من الجمهور والعامة، وهو ما لا يحبذه النقاد، ويعتبرونه تمييعا للتنافس الرصين، ويمكن أن يسهم في ترشيح وفرز أعمال لا تمتلك الجودة الإبداعية، لكنها فقط تحظى بمصوتين كثر على أسس عاطفية وعلاقات اجتماعية وشخصية، بعيدة عن النظر في محتوى العمل الإبداعي المعروض للتنافس والتصويت عليه.
«الخليج» استطلعت آراء بعض النقاد والكتاب حول هذه المعايير التي استحدثتها «الأكاديمية الجديدة»، وحول مدى نجاحها في تجاوز كل النواقص التي كانت تشوب عملية فرز جوائز نوبل للآداب فيما سبق.
أوضح الدكتور يوسف الحسن أن «الأكاديمية الجديدة» هي مجرد خطوة «شعبوية» احتجاجية، اعتاد المجتمع السويدي الحضاري إنتاجها، لتصحيح مسارات جائزة نوبل، أو لإضافة بدائل لها، حدث ذلك أكثر من مرة، خلال القرن الماضي، فجائزة نوبل، رغم ما في إداراتها من تحيزات ومصالح متضاربة، فإن لها قيمتها الدولية العالية، واحترامها العالمي، ويصبو إليها كل المبدعين في العالم، ومن حق أي كان في هذا البلد الإنساني والحضاري، حتى لو اتبع التصويت الشعبي لاختيار الفائز، اختراع نسخته الخاصة البديلة لجائزة نوبل للآداب بخاصة، من ناحية أخرى، فإن أسرة وورثة نوبل مخترع الديناميت، عارضوا في الستينات إضافة «نوبل للاقتصاد»، حتى لا «تتأمرك» الجائزة، أو تسوق لاقتصاديات السوق المتوحشة، ويبدو أن المصالح الدولية لقوى الهيمنة فرضت إرادتها، كما حدث عندما منحت الجائزة «جائزة السلام»، لزعماء (حربجيين) أشرار، من أمثال: بيغن ««الإسرائيلي»» الإرهابي.
وأضاف الحسن: «إن السلوك المنحرف لزوج امرأة لها مكانتها في أكاديمية نوبل، لا يعني نسف جائزتها للآداب، هذه الجائزة التي ما زالت ما تحظى بالاحترام. أما جائزة السلام، فعليها السلام، فهي مسيسة من رأسها حتى قدمها».
الناقد الدكتور صالح هويدي اعتبر أن هذه المعايير التي أعلنت هي محاولة لتقديم شكل شعبي للتنافس على الجائزة، بعيدا عن الأنماط التقليدية، لكنه أكد أن هذه المعايير الجديدة لا تتجاوز الفساد الذي كان قائما بل تكرسه، وتجعله في إطار جماهيري خادع، وقال: «هذه المعايير هي اعتراف ضمني بعدم القدرة على تجاوز الفساد في اختيار الفائز بجائزة نوبل للآداب، ذلك أنها تفتح المجال أمام أن يكون اختيار العمل الإبداعي الأكثر استحقاقا للجائزة، شبيهاً باختيار الأغاني، وعن طريق تصويت للعامة، قد لا يكون متمكنا من الأسس النقدية الرصينة التي بإمكانها تزكية منتج أدبي إبداعي على حساب آخر، ولذلك فهو تصويت يفسح المجال للمزاجية، وللعلاقات الشخصية، وهو ما يتنافى مع العدالة».
وأضاف هويدي متحدثا عن المراحل الأخرى المعلنة في إطار الجائزة الجديدة قائلاً: «المفارقة في المعايير الجديدة أن دور لجنة التحكيم يأتي بعد تصويت العامة على الإنترنت، وهو ما يجعل عملها محصورا في تحكيم نصوص لم تختر كما أسلفنا على أسس منطقية ومنهجية ونقدية معروفة وصحيحة، ثم من قال إن لجنة التحكيم الجديدة لن تقع في نفس الفساد الذي وقعت فيه لجنة التحكيم الماضية؟ لا شيء يضمن ذلك».
وأبرز هويدي أن جائزة نوبل لا يمكن أن تكون شفافة ما لم تكن لجنة تحكيمها تضم محكمين من مختلف ثقافات الشرق والغرب، وقال: «لقد ظلم العرب على سبيل المثال في جائزة نوبل، ولم تعط إلا لأديب عربي واحد هو الراحل نجيب محفوظ، الذي أصبح عالميا قبل أن يمنح الجائزة لسرده وحسه الإنساني الأدبي، لكن معايير تلك الجائزة لا تستخدم الطرق الرصينة في الحكم على الأدب، والتعرف عليه كمنتج إبداعي إنساني، بغض النظر عن شرقيته أو غربيته، وبغض النظر عن أية اعتبارات سياسية أو ثقافية أخرى».
ويرى القاص والروائي علي أبو الريش أن جائزة نوبل كانت تمثل معلما حضاريا كبيرا على المستويين الثقافي والعلمي، وقد تربعت على عرشها ذلك فترة طويلة، حيث مستها خلال مسيرتها الطويلة الكثير من السلبيات، خاصة فيما يتعلق بشبهات الفساد والمحاباة السياسية والفكرية، وكل ذلك أصاب سمعة الأكاديمية القائمة على أمر الجائزة، فبات الأمر في حقيقته يحتاج إلى إعادة ترتيب، وانفتاح على أسس ومعايير جديدة، وهو ما يتطلب واقعا جديدا يعالج تلك الأخطاء، ويمارس نوعا من النقد على تلك المسيرة، حتى تتم معالجات الاختلالات بشكل جذري، باعتبار أن الجائزة من صنع البشر وبالتالي هي معرضة للأهواء، فيصبح من الضروري رفد الجائزة بفكر ومنهج جديد، من أجل إعادتها إلى مكانتها وقيمتها التي أبرزت أعلاماً في مجالات الفكر والفلسفة والأدب والعلوم. وأضاف: «على كل مثقف أن يدعم هذه المبادرة التي اجترحها أكاديميون ومثقفون من الدولة ذاتها، وذلك في سبيل الحفاظ على الجائزة التي مرت عليها سنوات طوال، وارتبط بها جمهور الإبداع والأدب، حتى صار وقت إعلانها مناسبة ثقافية كبيرة ينتظرها الناس، وتلتفت نحوها القلوب في كل العالم، فهي ليست جائزة طارئة، بل ترسخت في أذهان الناس، وأصبحت جزءاً من المشهد الثقافي العالمي، ولا بد من فعل يوازي حجم هذه الجائزة، من أجل تصحيح الأوضاع، وإعادة الأمور إلى نصاب المعايير الحقيقية العادلة».
وشدد أبو الريش على ضرورة انتزاع الجائزة من الغبار السياسي الذي علق بها، لأجل دعم الإبداع بعيدا عن السياسة والأدلجة، فالأكاديمية في كثير من الأحيان قد انتحت جانباً ممعناً في السياسة، متجاوزة حتى المعايير التي تستند عليها في الاختيار، وذلك أضر بها بشكل بالغ، ومس مصداقيتها بشكل كبير، وبروز الأكاديمية الجديدة يعتبر نوعا من الاعتراف بالذنب، ومسعى نحو خلق واقع جديد، ومعايير لا تأخذ بالأمزجة والمحاباة.
وأكد أبو الريش على أهمية التجديد وإحداث ثورة في كل الظواهر التي تسود عالمنا، وإذا كان الناس ينتقدون التعصب الديني والعرقي، فلا بد أيضا من نقد التعصب الثقافي، ذلك الذي أسست له نوبل بشكل أو بآخر، فكثير من الجوائز ذهبت إلى أدباء معادين لدولهم وذلك موقف إيديولوجي، ولعل الأخطر من موضوع تسريب إعلان النتائج للجوائز الفائزة في ممارسات نوبل، هو الاصطفاف والخضوع للمزاج الشخصي ومحاباة دول معينة، فالعالم العربي على سبيل المثال، فيه العشرات من الكتاب الذين يستحقون الجائزة ولم ينالوها.
ويرى القاص إبراهيم مبارك أن كل جديد يحتاج إلى معرفة جديدة، وأن الأكاديمية الجديدة تحتاج إلى أن تفحص وتختبر، ليعرف العالم، والمشهد الثقافي فيه، مدى مصداقيتها، ومن يقف وراءها، ومن يمدها بالدعم المادي، وهل هنالك حكومات قائمة على هذا الأمر، وعلى المؤسسة؟
وأضاف: «على الرغم من التدخلات السياسية التي شهدتها أكاديمية نوبل، لكن وجود أخرى جديدة يثير أسئلة عديدة».
يؤكد مبارك على وجود المحاباة وتدخل السياسة في عمل الأكاديمية السويدية، لكن ذلك الأمر لا يعني الاندفاع في اتجاه أكاديمية جديدة لم يتجاوز أمرها عتبة الإعلان عنها، فالموقف الصحيح ليس هو الموافقة، أو عدمها، بل تركها تختبر نفسها لمعرفة هل ستتجاوز تلك المشكلات التي وقعت فيها القديمة، وهذا يتطلب مرور أعوام على التجربة.
أما الشاعر إبراهيم الهاشمي فقال: «لقد أصبحت جائزة نوبل، متورمة وتعاني في مصداقيتها حتى طفح الكيل، ووجود أكاديمية جديدة يصب في مصلحة الأدب والعلم، فالأكاديمية السابقة متهمة بالمحاباة، وبالاستناد في كثير من الأحيان على معايير ذات صبغة سياسية وإيديولوجية في طرق اختيارها للفائزين، وذلك أضر كثيرا بسمعتها، الأمر الذي يتطلب بالفعل وقفة وواقعاً جديداً».
ورأى الهاشمي أن جائزة نوبل قد عرّفت الناس في مختلف أنحاء العالم بأسماء أدبية كبيرة، كانت محصورة في نطاقها الجغرافي، وقدمت خدمات جليلة في هذا الإطار، إلا أنها في المقابل ومع مرور الزمن حادت عن مسارها، وأصبحت تعيش واقعا مترهلا يحتاج إلى التجديد والتصويب، ولعل إعلان الأكاديمية الجديدة هو نوع من الاحتجاج، ومحاولة لاستعادة القيم الأصيلة التي نشأت عليها نوبل، وسعياً لتجاوز سلبيات العمل التي أصابتها مؤخراً.
جريدة الخليج