في دكان للتحف في السوق العتيقة بمدينة الأقصر عرض علينا البائع نماذج من ورق البردى التي كان قدماء المصريين أول من بدأوا الكتابة عليها، قائلاً إن بوسعه أن يكتب اسم كل راغب على نموذج ورقة البردى التي سيشتريها، مضيفاً: عليكم فقط اختيار بأي لغة تحبون أن تكتب أسماؤكم: العربية، الإنجليزية، أو الهيروغليفية.
قلت لمن يرافقني: في حال اخترنا اللغة الأخيرة كيف بوسعنا التحقق من أن ما سيكتبه الرجل عليها هي أسماؤنا بالفعل؟ فنحن من الأكثرية الساحقة في العالم التي لا تعرف فك طلاسم هذه اللغة، ثم إن ثمة سؤالاً مهماً آخر: هل يعرف البائع نفسه أو من يستعين به الهيروغليفية حتى يكتب حروف أسمائنا بها؟ أستحضر هذه الحكاية على سبيل الطرفة فحسب، فورق البردى هذا هو الذي حمل المعرفة البشرية وصانها لقرون، ولولاه لفقدنا، كبشر، الكثير من ذاكرتنا الجمعية، والبشرية جمعاء ممتنة لقدماء المصريين توظيفهم ورق نبات البردى للكتاب والرسم.
ينمو نبات البردى على ضفاف نهر النيل وفي منطقة الدلتا، وكان المصريون يُكثرون من زراعته لأن له استخدامات عدة بينها صناعة القوارب الصغيرة الخفيفة لعبور نهر النيل، وصناعة الحبال، والحصر، والسلاسل، والأكواخ الصغيرة، والنعال، بينما استخدمت رؤوس البردى في تزيين المعابد، ولكن يبقى استخدامه للكتابة من أهم ما اشتهرت به الدولة المصرية عبر التاريخ.
أخذ الرومان من المصريين تقليد الكتابة على ورق البردى، حيث شاعت بشكلٍ واسعٍ جداً في الكتب، والمراسلات القانونيّة، والعقود التجاريّة. وحسب تقرير نشره الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية فإن نوعاً آخر من الكتب ظهر في وقت ما في القرن الأول الميلادي أو قبله، هو الذي أسماه الرومان ب «المخطوطات»، وهي مأخوذة من جذوع الأشجار، وأن شاعراً رومانياً يدعى مارشال كان قد شجع قارئيه على شراء كتبه بهذا الشكل الجديد، قائلاً: «يا من تتوق لأن تكون كتبي الصغيرة معك في كل مكان، اشتر هذه المخطوطات الرّقية المكونة من صفحات صغيرة: يد واحدة يمكن أن تحملني».
يومها نشأ سجال حول أيهما أفضل: الكتابة على ورق البردى أم اعتماد النوع الجديد للكتابة، وهو سجال مشابه للجاري الآن: أيهما أفضل: الكتاب الورقي أم الكتاب الإلكتروني؟
لمن يهمه الأمر فإن دراسة استقصائية حديثة شملت نحو 2000 شخص أمريكي أظهرت أن 56% منهم فضلوا الكتاب الورقي على الإلكتروني، فيما لم تتجاوز نسبة من فضلوا الثاني 29%، وفضل ما نسبته 15% من العينة سماع الكتب الصوتية.
جريدة الخليج