ما الأصحّ والأصدق، أن نقول إننا نعشق التراث، أم إننا تراثيّون؟ الفارق مهول بين من ثقلت موازينه العلمية، وبين من خفّت موازينه البحثية. شاغل أثاره أحد الأعداد الخاصة التي تصدرها مجلة «العلم والحياة» الفرنسية، خصّصته للفرعون المصري «توت عنخ آمون» ، (إبريل/نيسان2019). بالمناسبة: هل تذكر أن لمحت مقلتك طيف مجلّة عربية أصدرت عدداً خاصاً بميراث بلد عربي، وكان كل المتخصصين في تراث البلد المعنيّ من البلد الذي أصدر المجلة، ما يعني أن بلداً عربياً فيه متخصصون في موروث بلد عربي آخر؟ يقيناً في السؤال مبالغة، لأنه يعني وجود خبراء عرب لهم بحوث ودراسات علمية في شؤون ثقافية متخصصة متعمّقة تخص بلداناً عربية أخرى. بتعبير العراقيين: «قول غيرها». في الشعر والقصة وكرة القدم، حدّث ولا حرج. أمّا في الاكتشافات التي لا تخطو خطوة نملة إلاّ بطنّ علوم، فالتواضع حلية.
هذا تحدٍّ آخر: يقام في باريس من 23 مارس إلى 19 سبتمبر معرض للفرعون توت عنخ آمون. تحدٍّ ودرس معاً. يكفي أن نلقي نظرة على عناوين العدد الخاص، حتى لا يخرج الأعزاء بلا حمّص: وادي الملوك مدينة موتى مترامية الأطراف. مثوى الروائع. قرنان من الاكتشافات الساحرة. ذهبٌ حيثما المرء ذهب. وأخيراً كشفت المومياء أسرارها. ما الذي بقي اكتشافه؟ الإمبراطورية المصرية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. توت عنخ آمون ذلك المتألق المجهول. أخناتون أب مزعج. بعد الصبيّ الملك: أفول أسرة. لقد أرادوا محو الفرعون. مصر، مركز العالم (العنوان الأخير يحتاج إلى توضيح، فالمقال يتناول وضع العالم قبل 3400 عام، ومكانة مصر فيه)، من دون هذا التوضيح، ينصرف الذهن إلى الرؤية من خلال عدسة نظرية المؤامرة، فدرءاً للتوظيف، وجب التوضيح. المهم هو على من تقع مسؤولية التقريع في التقصير؟ ظاهرياً المسؤول هو انعدام دروب البحث العلمي، بالتالي كالمعهود ترسو سفينة الملام عند جوديّ المناهج.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتصادية: أشدّ الواردات إيلاماً، الواردات التي تريك أن أبعد البعداء منك، يعلّمك ما لم تعلم من هويتك وتاريخك وتراثك.
جريدة الخليج