يبعث على الانتباه المخطوط الأخير لأي أديب كان يعمل
عليه قبل موته، خاصة إذا كان هذا الموت مفاجئاً. وحين يتولى ورثة أو أصدقاء الأديب
المعني، نشر ذلك المخطوط على هيئة كتاب ويصبح متاحاً للقراء، يندرج في قائمة
مؤلفات المتوفّى، ومن الصعب معرفة هل سيكون كاتبه راضياً عن نشره كما هو، لو ما
زال على قيد الحياة.
الكُتّاب جميعاً يعرفون أن المخطوط يبقى مخطوطاً حتى
الدقيقة الأخيرة قبل دفعه للمطبعة، لأن الكاتب ما ينفك يدخل عليه التعديلات، حتى
يطمئن أنه ظهر بأكثر الصور قرباً من الكمال من وجهة نظره هو طبعاً.
وهذا يطرح سؤالاً ذا بعد أخلاقي في التعامل مع مخطوطات
الأدباء المتوفَّين التي لم يدفعوها للنشر في حياتهم لاعتبارات مختلفة، بينها
شعورهم أنها غير مكتملة، وأنها بحاجة للمزيد من التدقيق والإنضاج؛ فألا يعتبر نشر
هذه المخطوطات بعد وفاتهم ينطوي على درجة من درجات السطو على حق من حقوق هؤلاء
الكُتّاب؟.
نعرف أن الكثيرين منكم سيقول، ومعهم في ذلك كل الحق، إن
الكاتب، خاصة إذا كان كبيراً في المكانة والإبداع، يصبح ملكاً لأمته، ومن حق أبناء
هذه الأمة معرفة جوانب إبداعه المختلفة، حتى لو كانت مخطوطات غير مكتملة، بل إن
القراء والمهتمين قد يجدون في هذه المخطوطات جوانب إبداعية أو فكرية مهمة، كان
الراحل بصدد إنجازها على هيئة عمل متكامل ولكن العمر لم يسعفه، وأن نشرها قد يدفع
كتاباً آخرين مجايلين له، أو لاحقين، على الانطلاق منها، لتطويرها أو استلهام
أفكار منها.
من الأمثلة التي أود إيرادها في هذا السياق، الديوان
«الأخير» لمحمود درويش الذي تولى ورثته وأصدقاؤه إصداره بعد موته بعنوان «لا أريد
لهذي القصيدة أن تنتهي»، حين وجدوا مخطوطاته على مكتبه، فالنقاد لاحظوا أن محمود
ما كان سيوافق على نشره بالطريقة التي نشر بها، هو المعروف بدقته وتأنّيه، حيث لا
يوجد في الديوان «تغيّر دراماتيكي عن محتوى الدواوين الأخيرة للشاعر»، لذلك لم
يترك صدىً بحجم صدى تلك الدواوين.
المثل الآخر، من الأدب الأجنبي هذه المرة، هي المخطوطة
الأخيرة للروائي الأمريكي إرنست همنجواي التي نشرت بعد رحيله «جزر في المحيط» التي
كان منكباً عليها قبل أن يقرر في لحظة ضعف أن ينتحر فيطلق الرصاص من بندقية على
رأسه.
أدخل ناشرو المخطوطة تعديلات عليها، لكن بنية الرواية
ظلَّت غير معالجة بالكامل، والتماسك بين أجزائها ضعيف.
جريدة الخليج