أوقعت «المصري اليوم» نفسها في مأزق عندما دعت قراءها إلى تسمية «الأفضل» بين كتّابها لعام 2018. ففي المسألة خطأ من حيث المبدأ. ذلك أن الكتّاب الكبار لا يلمعون في سنة ويخفتون في أخرى. وشعبية الكاتب، أو عدمها، ليست مقياساً على مكانته، حتى في جريدة ممتازة مهنياً مثل «المصري اليوم». ثم إن القارئ، مثل الناخب، كسول. وهو لا يقترع لاعتقاده أن كاتبه المفضل ليس في حاجة إلى صوته، فهو سوف يفوز بأصوات الآخرين في أي حال.
لكل كاتب لون وموقف واجتهاد وأسلوب. والاختيار عن طريق التصويت فيه ظلم لكثيرين. وما الحاجة إلى استفتاء اليوم مع القراءة الرقمية، خصوصاً في جريدة تتمتع بإحدى أكبر النسب من المشتركين. يصبح الاستفتاء أكثر مشروعية، لو أن الجريدة ذهبت بنفسها إلى عيّنة من القراء وطرحت السؤال. أما أن تتكل بأنهم سوف يأتون إليها، فأمر غير عملي وغير علمي.
وفي النهاية، كيف ستعلن الجريدة النتائج؟ هل ستذكر أسماء الأوائل استناداً إلى آراء مائة أو ألف مشترك، في حين أن القراء بالملايين؟ شعوري أن الكاتب «الأفضل» ليس في حاجة إلى استفتاء. وفي جريدة تجمع أكبر عدد من الكتّاب المصريين، يحتل كل كاتب مكانته بصورة تلقائية. الكتابة ليست حزباً. وبعض كتّاب مصر كانوا أكبر من سياسييها وأحزابها، وعاشت ذكراهم في ضمير المصريين أطول مدة.
هناك دائماً اختلاف في أذواق القراء، لكن هناك مكانات لا خلاف عليها. الذي لم يكن يقرأ على الدوام أحمد بهاء الدين أو محمد التابعي أو مصطفى أمين، كان يعرف أنهم الأوائل في أي حال. وقد لاحظت مثلاً، من المشاركين في استفتاء «المصري اليوم»، أن اسم «نيوتن» لم يرد كثيراً، بينما هو عندي «أفضل» كتّابها، لكن إلى جانب عدد واضح من مستقري الإبداع. الكاتب، لا القارئ، هو الذي يصدر الحكم على نفسه، وهو من يعطيها الدرجات أيضاً.
هذه مهنة معرّضة للأحكام كل يوم، مثلها مثل سائر الفنون. ليس هناك «لجنة فاحصة» تستطيع أن ترشي بعض أصحابها في أذواقهم. أنت أمام جمهور، لا أمام لجنة. ومثلما هناك بستان متعدد من الكتّاب، هناك بستان من الأذواق والثمار. وما كان من الضروري أن تضع «المصري اليوم» كتّابها الكبار أمام هذه الهفوة العابرة وحسنة النية. لكنها أيضاً همزة في ميدان تذكِّر الخيل الرابحة دائماً بأن التهاون خسارة.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط