لا أعرف السر في إصرار بعض المخرجين المصريين على إسناد دور الرجل “العجوز” للممثل محمود حميدة، رغم أنه لا يبدو عجوزا ولا مسنا ولا يبدو أنه يجد نفسه أصلا في مثل هذا الدور الذي يجعل المحيطين به من الممثلين ينادونه بـ”جدو” و”يا حاج”، ويأتونه بمقعد لكي يجلس عليه، بينما يبدو هو في قمة لياقته البدنية، مستقيم الجسد فارع الطول، وسيما كعهدنا به.
صحيح أن محمود حميدة تجاوز الستين من عمره، لكنه ليس شيخا طاعنا في السن، وقد دهشت عندما شاهدته في أربعة أفلام مصرية على الأقل يمثل دور الرجل العجوز الذي يعيش على الماضي البعيد الذي كان وولى، وعلى الذكريات، يتذكر الحب كأنه كان أمرا جميلا زائلا من الماضي، وعندما يفكر مثلا في الزواج يصبح أضحوكة الشباب، فكيف لكهل (مفترض) مثله أن يفكر في أمر كهذا؟
المشكلة التي تبدو واضحة أن المخرجين الذين يسندون إليه مثل هذه الأدوار في أفلام مثل “يوم للستات” و”فوتوكوبي” و”ورد مسموم” و”يوم من الأيام”.. يعتقدون أنه بسبب إجادته أداء مثل هذه الشخصية بنوع من الرومانسية والحنين، يمكن أن يصبح مقبولا لدى الجمهور في دور العجوز، في حين أنني شخصيا وجدت أن دوره في فيلم “فوتوكوبي” يعكس سوء اختيار واضح.
يقوم محمود حميدة في هذا الفيلم بدور “عم محمود” الذي يجلس أمام دكانه المتواضع (الذي لا يمتلكه، بل يستأجره بدليل أنه متأخر في دفع الإيجار، يطارده صاحب الدكان، لكن صناع الفيلم رغم هذا يجعلونه يناقش فكرة بيعه لشاب يمتلك دكانا مجاورا، وكأن من يكتب السيناريو ينسى ما سبق أن أوضحه في أكثر من مشهد من أن الدكان مستأجر وليس مملوكا حتى يمكن أن يبيعه أو يرفض بيعه!).. ويفترض أنه كهل، لكنه ليس كهلا، بل يتمتع بالحيوية والشباب، يحب جارته “صفية” التي تقوم بدورها شيرين رضا بإقناع تام بمساعدة الماكياج، حيث تبدو أكبر كثيرا في السن من حميدة نفسه.
والحقيقة أن بناء شخصية عم محمود حسب السيناريو ربما كانت متأثرة أصلا بممثل قديم رحل عن عالمنا كان يصلح أكثر لأدائها، هو حسن البارودي أو عبدالعظيم عبدالحق.. أما حميدة (فارس المدينة) فجاء أداؤه رغم براعته، غير مقنع، وكذلك الأمر في الأفلام الأخرى التي أصبحت تستنسخ من بعضها البعض شخصية مشابهة تريد إسنادها لمحمود حميدة لأسباب مختلفة!
تأثير الزمن على الممثل مسألة شديدة الأهمية، فإذا أردت أن تبدو مقنعا عليك أن ترى الحقيقة، أي صورتك الحقيقية في المرآة قبل وبعد الماكياج، أما أن تحتفظ بوسامتك ونفس طريقتك في أداء الأدوار الأكثر شبابا فلا تصلح عندما يتعلق الأمر بدور رجل كهل.
أنظر مثلا إلى صورة الممثل العملاق مارلون براندو وهو يؤدي دور زعيم المافيا النيويوركية “دون كورليوني” في “الأب الروحي”، كان براندو وقتها خضع كما طلب المخرج فرنسيس كوبولا لاختبار أمام الكاميرا لكي يعرف مدى صلاحيته لأداء الدور، وكان وقتها في السابعة والأربعين من عمره، لكن براندو قام بعمل الماكياج لنفسه وتغيير ملامح وجهه وجسده بالكامل، حيث أصبح يبدو وقد تجاوز السبعين ممّا أدهش كوبولا وجعله يتمسك به ويفرضه رغم معارضة منتجي الفيلم. وبهذا الدور الذي لا يتلاءم من حيث العمر مع العمر الحقيقي للممثل، حقّق براندو أكبر نجاح عرفه في حياته كممثل.
وكان محمود المليجي في “العصفور” أو في “عودة الابن الضال” شديد الإقناع في دور الأب- الجد، الذي يرمز لجيل قديم مضى، وكان بأدائه وصوته يمكن قبوله كأب لشكري سرحان وجد لهشام صالح سليم في “عودة الابن الضال”.
يمضي الزمن ويكبر الممثل وتكبر معه صورته لدى جمهوره، ويجب أن يختار أدواره بعناية وألاّ ينساق وراء فكرة الاكتفاء بصورة افتراضية لا تبدو مقنعة، لكن اللوم يقع أساسا على المخرجين.
صحيفة العرب