في الصين ضجة. ولكم تقدير معنى الضجة في بلد تعداده مليار ونصف مليار بشريّ. والسبب هو رغبة البلديات بتغيير الأسماء الأجنبية للمرافق العامة. حي «مانهاتن» مثلاً، وسلسلة فنادق «فيينا»، و«ساحة قيصر»، والعشرات غيرها. يرى المسؤولون أن تلك الأسماء لا تنسجم وثقافة البلاد. وهي تعكس الميل الأعمى لكل ما هو مستورد. مع التوضيح بأن التغيير لن يشمل الشركات الأجنبية العاملة في البلاد. وسرعان ما جاءت ردة الفعل عبر مواقع التواصل، ومنها «ويبو»، المعادل المحلي لـ«تويتر». ونقلت صحف أجنبية أصداء المعترضين. وهم يقولون إن القرار تعسفي لأن السلطات الرسمية لم تأخذ رأي الشعب. كم يلزم من الوقت لاستطلاع رأي مليار صيني؟
في العراق، أيضاً، هناك من يعترض اليوم على استمرار التسميات «البعثية» لبعض المناطق والشوارع، مثل حي 7 نيسان، وهو تاريخ تأسيس حزب البعث، أو القادسية، وهي تسمية استعيرت من التاريخ وأطلقت على الحرب مع إيران. بل هناك من يطالب بهدم نصب الشهيد، أحد أجمل المعالم الفنية لبغداد. ولعلّها لعنة المدن العريقة، أن تكتسي بملامح العابرين فيها…
في كل البلاد هناك مرافق تحمل أسماء الملكات والرؤساء والقادة العسكريين. وفي فرنسا أكثر من 40 شارعاً وساحة تحمل اسم الأديب فيكتور هوغو. لكن ولعنا بالزعيم لا يُضاهى. كنتَ تتجول في بغداد، سابقاً، ثم في دمشق لاحقاً، فتجد المطارات والمدارس والجامعات والمساجد والساحات العامة وصالات العرض الفني وحتى مخافر الشرطة تحمل اسم القائد. الكل ينافقه على أمل أن ينال حظوة لديه. ولولا بقية من حياء لشمل ذلك أسماء المقابر ومستشفيات الأمراض العقلية وحدائق الحيوان. وحين يرحل الشخص، الحاكم الفرد، تلحق به أسماؤه وتتغير اللافتات. ويطالب بعضهم بتغيير اسم شارع الرشيد، أقدم جادات بغداد وأشهرها، واسم كورنيش أبي نواس، وهو متعة المتنزهين على دجلة. يبدو أن هناك من لا يحب الرشيد لأسباب تاريخية، ومن يعترض على شاعر المجون والخمريات. لكن مهما حدث، فإن من العسير أن تلوي ألسنة البغادّة حسب تقلبات الأمزجة.
سبق أن سخروا وأطلقوا النكات يوم منعت أمانة العاصمة الأسماء الأجنبية للمتاجر والمطاعم وأمرت بإحلال أسماء عربية مكانها. وكانت الموضة يومذاك للمفردات القومية. وهكذا تحول صالون «كوافير لوسي» إلى «حلاقة يعرب»، وظهرت لافتات من نوع «أحذية النضال» و«فندق الشهداء» و«قصّاب الحرية». والقصاب بالفصحى هو الجزار.
بنى الزعيم عبد الكريم قاسم مدينة لمن لا يملك سكناً لائقاً. سمّاها «الثورة». وبعد تتالي العهود صار اسمها مدينة صدام. واليوم اسمها مدينة الصدر. ومن المؤكد أن مصادرة أسماء المدن هواية لا تقتصر على شرق دون غرب. فقد جرى تغيير اسم سان بطرسبرغ في روسيا إلى لينينغراد. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي استعادت اسمها الأول. ولما خرج الأميركيون من سايغون، قام الفيتناميون بتغيير اسمها إلى مدينة هو شي مينه، على اسم زعيمهم الذي قاوم الاستعمار. وقبل ذلك، في عصر إمبراطورية الخمير، كان اسمها برينوكور. لكن هناك في القاهرة محطة للمترو تحمل اسم محمد نجيب.
كيف عاد اسم نجيب، الرئيس الذي كان معتقلاً ومغضوباً عليه، من وراء الشمس إلى ضوئها؟ تلك حكاية لاحقة.
في العراق، أيضاً، هناك من يعترض اليوم على استمرار التسميات «البعثية» لبعض المناطق والشوارع، مثل حي 7 نيسان، وهو تاريخ تأسيس حزب البعث، أو القادسية، وهي تسمية استعيرت من التاريخ وأطلقت على الحرب مع إيران. بل هناك من يطالب بهدم نصب الشهيد، أحد أجمل المعالم الفنية لبغداد. ولعلّها لعنة المدن العريقة، أن تكتسي بملامح العابرين فيها…
في كل البلاد هناك مرافق تحمل أسماء الملكات والرؤساء والقادة العسكريين. وفي فرنسا أكثر من 40 شارعاً وساحة تحمل اسم الأديب فيكتور هوغو. لكن ولعنا بالزعيم لا يُضاهى. كنتَ تتجول في بغداد، سابقاً، ثم في دمشق لاحقاً، فتجد المطارات والمدارس والجامعات والمساجد والساحات العامة وصالات العرض الفني وحتى مخافر الشرطة تحمل اسم القائد. الكل ينافقه على أمل أن ينال حظوة لديه. ولولا بقية من حياء لشمل ذلك أسماء المقابر ومستشفيات الأمراض العقلية وحدائق الحيوان. وحين يرحل الشخص، الحاكم الفرد، تلحق به أسماؤه وتتغير اللافتات. ويطالب بعضهم بتغيير اسم شارع الرشيد، أقدم جادات بغداد وأشهرها، واسم كورنيش أبي نواس، وهو متعة المتنزهين على دجلة. يبدو أن هناك من لا يحب الرشيد لأسباب تاريخية، ومن يعترض على شاعر المجون والخمريات. لكن مهما حدث، فإن من العسير أن تلوي ألسنة البغادّة حسب تقلبات الأمزجة.
سبق أن سخروا وأطلقوا النكات يوم منعت أمانة العاصمة الأسماء الأجنبية للمتاجر والمطاعم وأمرت بإحلال أسماء عربية مكانها. وكانت الموضة يومذاك للمفردات القومية. وهكذا تحول صالون «كوافير لوسي» إلى «حلاقة يعرب»، وظهرت لافتات من نوع «أحذية النضال» و«فندق الشهداء» و«قصّاب الحرية». والقصاب بالفصحى هو الجزار.
بنى الزعيم عبد الكريم قاسم مدينة لمن لا يملك سكناً لائقاً. سمّاها «الثورة». وبعد تتالي العهود صار اسمها مدينة صدام. واليوم اسمها مدينة الصدر. ومن المؤكد أن مصادرة أسماء المدن هواية لا تقتصر على شرق دون غرب. فقد جرى تغيير اسم سان بطرسبرغ في روسيا إلى لينينغراد. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي استعادت اسمها الأول. ولما خرج الأميركيون من سايغون، قام الفيتناميون بتغيير اسمها إلى مدينة هو شي مينه، على اسم زعيمهم الذي قاوم الاستعمار. وقبل ذلك، في عصر إمبراطورية الخمير، كان اسمها برينوكور. لكن هناك في القاهرة محطة للمترو تحمل اسم محمد نجيب.
كيف عاد اسم نجيب، الرئيس الذي كان معتقلاً ومغضوباً عليه، من وراء الشمس إلى ضوئها؟ تلك حكاية لاحقة.
جريدة الشرق الأوسط