لم تكن فلسطين قد احتلت بعد، ولم تكن الدولة الصهيونية قد قامت يومها. كان ذلك بالضبط في عام 1940، أي قبل ثمانية أعوام من «النكبة»، عندما نشر شاعر فلسطين إبراهيم طوقان في جريدة «الجامعة الإسلامية» التي كانت تصدر في فلسطين مقالة بعنوان «أزمة المدارس الخالدة».
هي مقالة جديرة بالوقوف عندها، لا لكونها، فقط، تناقش معضلات التعليم في فلسطين آنذاك، وبالمناسبة، فإنها، من حيث الجوهر، معضلات التعليم نفسها في العالم العربي حتى اليوم، وإنما لأنها تظهر من جهة أخرى وعي الفلسطينيين، في ذلك التاريخ المبكر نسبياً بأهمية التعليم، لأن طوقان تحدث في المقالة عما وصفه ب «انتباه عامّ في البلاد إلى ضرورة التعليم، ونظر الآباء إليه كفرض مقدّس عليهم نحو أبنائهم»، قبل أن يأتي على نقد الحكومة في فلسطين «في معاضدة واسعة النطاق للقضاء على أزمة المدارس قضاء مبرماً».
المقالة نُشرت في بداية العام الدراسي من تلك السنة، وفيها يقول إبراهيم طوقان التالي: «في مثل هذه الأيّام من كلّ سنة، تقوم مشكلة تشغل مدن فلسطين وقراها، طوال أيّام الخريف، وهي تتلخّص في ازدياد عدد البنين والبنات الّذين يتحتّم عليهم دخول المدارس لبلوغهم السنّ القانونيّة؛ لتعلّم مبادئ القراءة والكتابة. فإذا أقبلوا على المدارس ليسجّلوا فيها أسماءهم، سُدّت في وجوه كثير منهم بداعي ضيقها عن استيعاب هذا العدد الكبير من الطلّاب».
ثم يبسط الكاتب أسباب تلك الأزمة موجهاً نقده اللاذع للقائمين على التعليم، بمن فيهم مديرو المدارس ومفتّشو الألوية في بسط الحالة للحكومة مفصّلة بمالها وأسبابها، وقصورهم في تقديم اقتراحات عمليّة تضمن حلّ الأزمة، لكن هناك أمراً آخر يستوقفنا في المقالة، منه نستشف مقدمات الحملة المنظمة لتهويد فلسطين قسراً تمهيداً لتنفيذ المؤامرة التي نفذت بعد ثمانية أعوام فحسب.
ومن بين أسباب عجز المدارس في فلسطين يومها عن استيعاب الأعداد الكبيرة من الفتيان والصبايا المتلهفين للتعليم يورد طوقان سبباً آخر هو ازدياد النسل، لكنه يستدرك قائلاً:«لا نظنّ الحكومة ولا أهل فلسطين راغبين في الالتجاء إلى تحديد النسل في أزمة المدارس، بل على العكس؛ فهناك حاجة إلى الاستكثار من النسل لحفظ التوازن بين سكّان فلسطين العرب وبين سيل الهجرة المتدفّق على البلاد».
ليس بوسعي أن أختم هذا الحديث دون إيراد هذه الحكمة الفلسطينية – العربية البليغة على لسان طوقان:«فلسطين، كغيرها من الأقطار العربية، مبتلاة بسوء ظنّ حكوماتها في كلّ مَنْ يطلب حقّه جهاراً، وترى في مطاليبه غلوّاً».
جريدة الخليج