إلى أي مدى يمكن أن يفيد الكاتب من تجربة العمل السياسي، أو الدبلوماسي؟ الجواب السريع: «كثيراً». والجواب المتأني: «كثيراً جداً». توصلت إلى هذه القناعة في هذه المرحلة، من خلال القراءة الدائمة لعدد من الكتّاب الذين أُدمِنُ على متابعتهم: الدكتور مصطفى الفقي في «الأهرام» و«المصري اليوم». جميل مطر في «الحياة» و«الشروق». عبد الرحمن شلقم في «الشرق الأوسط»، وزياد الدريس في «الحياة». مصريان بدرجة سفير، وليبي وزيراً للخارجية، وسعودي عمل لسنين سفيراً لدى «اليونيسكو».
في كل ما يكتبه هؤلاء السادة، تلمح أثر التجربة وطريقة التحليل. وقد يختلف السرد والأسلوب. فلا يستبعد الشاعر عن عبد الرحمن شلقم، والناقد الساخر عن زياد الدريس، ولا المسؤول عن مصطفى الفقي، الذي تنقل في مناصب حساسة كثيرة. ولا يزال إلى الآن في جميل مطر شيء من حسنين هيكل.
يلزمني العمل أن أقرأ أشياء كثيرة كل يوم. مشكلتي مع كثير من الذين يكتبون (وليس الكتّاب)، مشكلتان: فريق لأنه مُقل، وفريق لأنه مكثر عما يصح. وبين المقلين صديقي زياد الدريس، والشاعر الليبي الذي ترك لي مرة ديوانين من شعره في إحدى مكتبات نيويورك العربية، مع صديق مشترك.
والديوانان تركهما بلا إهداء يوم كان لا يزال مندوب الجماهيرية لدى الأمم المتحدة. ولم أدرِ يومها، ولا أعرف حتى الآن، لماذا حرص الدكتور شلقم على ألا يترك أي أثر: هل خوفاً عليّ من الغضب الجماهيري الذائع يومها، أم على نفسه، من الغضب ذاته أيضاً؟
لكن النتيجة واحدة، بإهداء أو باختباء. فقد اكتشفت في شعره أدباً جميلاً لا علاقة له «بالكتاب الأخضر» أو بشعراء اللجان، الذين كانوا يكتبون لدائرة المرتجعات. عندما أصدر شلقم مذكراته عن «رجال جمهورية القذافي» كنت أول من كتب عنه. لقد دربه العمل الدبلوماسي كيف ينتقي الحقائق من غابة شوك واسعة. لم يظلم ولم يثأر ولم يتنكر لسنوات العمل ضمن دبلوماسية أشبه بالتوتر العالي.
وعندما انضم الوزير والسفير السابق إلينا، وعاد إلى الصحافة، حرفته الأولى، فرحت فرحاً مهنياً حقاً. إنه مكسب مفرقي، محلى بأشياء من الشعر.
جريدة الشرق الاوسط