لما داس أحدُهُم على ظلٍّ لى فائتٍ فى إحدى الصحف المصرية قبل سنواتٍ مضتْ عايرَنى بأنَّ حكمت الشربينى تقرأ لأحمد الشَّهاوى شِعرًا كثيرًا فى برنامجها الشهير ذائع الصيت «شِعرٌ وموسيقى».
وهذا إنْ دلَّ على سواد وشرِّ وحسد الذى داس- وهو ذيلٌ لا رأسَ له- فإنه يدلُّ على مكانة ومكان حكمت الشربينى كإذاعيةٍ قديرةٍ نادرةٍ، وعلى برنامجها الأشهر فى الإذاعة المصرية، والذى كان إحدى علامات «إذاعة الشرق الأوسط» التى ظهرت سنة 1964، حيث كانت حكمت من رائداتها الأوليات، والتى وُلدتْ سنة 1939 ميلادية، وتخرَّجتْ فى الجامعة سنة 1961، ودرست المسرح فى أكاديمية الفنون، ونالت بكالوريوس الفنون المسرحية، قسم النقد سنة 1980.
ولمَّا كنتُ طالبا فى المرحلة الثانوية كنتُ أحلم بأن تقرأ شِعْرى حكمت الشربينى فى برنامجها، الذى عرفتُ من خلاله أسماء شعرية مصرية وعربية عديدة زاملتُها وصادقتُها بعد ذلك، وكان من فضائل حكمت الشربينى أنها تُنوِّع فى الأسماء والأجيال والاتجاهات الشعرية ولديها قُدرةٌ فائقةٌ على ضبط اللغة والشِّعر، وقد تعلَّم منها الكثيرون قبل الكثيرات طَوال عملها فى الإذاعة المصرية إلى أن صارت نائبةً لرئيس الإذاعة قبل خرُوجها سالمةً إلا قليلا من مبنى ماسبيرو، الذى لا يُقدِّر وزراء الإعلام الذين سكنوه سِيَر الرُّوَّاد وقُدراتهم، فجاء أحدهم وشطب برنامجها من الإذاعة مُتذرِّعًا بحجَّة منح الفرصة للشباب، ومنذ توقف البرنامج لم أر برنامجًا مماثلا أو مشابهًا له، وصار من المستحيل أن نستنسخ صوتًا سماويًّا مُقدَّسًا هو صوت حكمت الشربينى.
حكمت الشربينى (قيثارة الشرق الأوسط، أو قيثارة الشعر والموسيقى، أو القديسة العذراء)، إذاعية وقور وجادة ومِعطاء ومخلصة فى مجالها، إذْ عاشت تعرف ما دور الإعلام فى المجتمع خُصُوصًا الإذاعة التى لها دورٌ أساسى فى تربية العقل، تذاكر درسها جيدًا، ذلك الدرس الذى وعته من الإذاعيين الرائدين آمال فهمى، وطاهر أبوزيد (اللذين عرفتهما من خلال حكمت، ولكنَّنى أحببتُ طاهر أكثر)، لم تكن بعيدةً عن الحركة الأدبية المصرية، خصوصًا الشُّعراء، إذْ اجتمع فى بيتها الشُّعراء من شتى الأجيال ومختلف الاتجاهات والتيارات خذ مثلا: أمجد ناصر، نورى الجراح، ماجد يوسف، حلمى سالم، زين العابدين فؤاد، محمود نسيم، أمجد ريان، فريد أبوسعدة، محمد كشيك، أحمد فؤاد نجم، فؤاد حجاج، وأسماء كثيرة كانوا أيضًا ضيوفًا بقصائدهم فى برنامجها الأشهر.
ومن الظلم أن نختصرَ حكمت الشربينى- التى احتلت عرش الإذاعة- فى برنامجٍ واحدٍ هو «شِعْر وموسيقى»؛ لأنَّها قدَّمت على مدار عملها برامج كثيرةً مثل: أديب على الهواء، وكان يشرف عليه الكاتب فاروق خورشيد، وقد حاورتْ فيه: صلاح عبدالصبور، عبدالقادر القط، صلاح جاهين، يوسف إدريس، كامل الشناوى، صالح جودت، والبرنامج اليومى: أبجد هوز «والذى حاورتْ فيه طه حسين» . لكن (شِعْر وموسيقى) استمر سنواتٍ طويلةً، كما أنه كان الأوحد فى الإذاعة المصرية، الذى أدينُ بالفضل الكبير له أن قدَّمنى للناس فى كل مكان، وقرَّب شِعْرى لهم.
جريدة المصري اتليوم