في الختام يحلو الكلام. «مهرجان العين السينمائي» الذي فاجأنا بانطلاقته الأولى، أصر على وداعنا بمفاجأة أخرى، مع إعلان مديره العام عامر سالمين المري عن الحضور السريع لدورته الثانية في يناير/ كانون الثاني المقبل!
كثر يسألون: وهل في الإمارات ودول الخليج نهضة سينمائية وحركة تستدعي وجود مهرجان يسرّع خطواته ليعلن عن نفسه شامخاً معتزاً بنجاحه وإنجازات الشباب والمواهب والفنانين؟ من شاهد «العين السينمائي»، وما حمله من أفلام طويلة وقصيرة اختارها بعناية شديدة المخرج والمدير التنفيذي للمهرجان هاني الشيباني، يدرك أن للشباب أحلاماً كبيرة وطموحات تناطح السماء، ولديهم القدرات والرؤى الفنية، وباتوا يجيدون «الصنعة» باقتدار. ويبدو أن غياب المهرجانات السينمائية عن الإمارات، أخفى عن العيون هؤلاء الموهوبين والإمكانات الحقيقية الموجودة، والتي لم تتراجع، بل كبرت في الظل، وسلكت طريقها نحو الاحتراف، مدعومة بدراسة ووعي وقراءات وتعمق.
هؤلاء الشباب وجدوا في «العين السينمائي» فرصتهم الذهبية لإثبات وجودهم، وما قدموه من أعمال يستحق أن يعرض في الصالات، ليشاهده الجمهور في الإمارات ومختلف الدول العربية، لأنه أفضل بكثير من بعض الأعمال العربية والأجنبية التي تعرض دون أن تلقى نجاحاً، ويكون مستواها متوسطاً أو عادياً أو حتى دون المقبول.
تفاجئك أفكار الشباب المتحررة من قيود كبلت مجتمعاتها، وحلقت عالياً بجرأتها في الطرح «المهذّب» دون خدش حياء أو المس بمقدسات أو جرح مشاعر أو ابتذال. يعرفون حدودهم، ويعرفون أنهم متعطشون، مثل أبناء جيلهم العربي، إلى التعبير عن ذواتهم ومجتمعاتهم، ناقلين بعضاً من واقعهم إلينا عبر «عين الكاميرا» والشاشة الكبيرة، ومن بوابة «العين السينمائي».
من الإمارات والسعودية والكويت والبحرين وعمان، وصولاً إلى المواهب العربية المقيمة في الدولة، المنافسة حقيقية، والأعمال تليق بهذا الزمن المتطور، والأهم أننا رأينا أعمالاً تحاكي الواقع، وتلتصق ببيئتها، ولا يمكنك إلا أن تصدقها وتصفق لها.
السينما الجديدة لن تعرف لغة «الصمت» أو إغماض العيون وتجاهل حقائق اجتماعية يعيشها البعض، ولن تسكت عن كبت أو جرح عميق. الشباب والفتيات قدموا أفكارهم بجرأة دون الإخلال بقواعد اللعبة السينمائية، من حيث الحرص على «الكادر» والزوايا والصورة ونقائها، وكيفية إدارة الممثلين، والقدرة أيضاً على إيصال الرسالة في الأفلام القصيرة بدقائق معدودة.. وفي الأفلام الطويلة دون مط وملل.
المهرجان خلق «حالة» نشتاق إليها ونتمسك بها لحاجة المجتمع والدول والسينمائيين إليها. ونتمنى أن يحافظ على سلاسته وبساطته وتركيزه على الصناعة السينمائية وتشجيع المواهب وفتح أبواب التعاون بين الداخل والخارج لتنشيط حركة الإنتاج، كما فعل في دورته الأولى، بعيداً عن البهرجة و«الشو» الهادف إلى إحداث ضجة ولفت الأنظار إلى الشكل بعيداً عن المضمون. فهنيئاً للسينما بمهرجان العين، وهنيئاً للإمارات ودول الخليج والعالم العربي بشبابه النابض بالحياة والأمل والمتدفق مواهب تبشر بغد فني راقٍ.
جريدة الخليج