ديمة ونّوس كاتبة سورية من مواليد 1982، نشأت في أسرة محبة وعاشقة للأدب، فهي ابنة الكاتب المسرحي سعدالله ونّوس، وصلت روايتها «الخائفون» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية للعام الجاري، درست الأدب الفرنسي والترجمة في جامعة دمشق والسوربون، صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان «تفاصيل» 2007 ترجمت إلى الألمانية، ورواية «كرسي» 2008، كتبت في عدة صحف مثل «السفير» و«الحياة» وموقع «جدلية» الإلكتروني، وجريدة «واشنطن بوست»، اختيرت ضمن أفضل كتاب العرب تحت سن الأربعين في مسابقة بيروت 39، في عام 2009، تعمل حاليا معدة ومقدمة لبرنامج «أنا من هناك» على قناة الأورينت.
– كيف كانت بداية رحلتك مع الكتابة؟
بدأت الكتابة في سنّ مبكّرة جداً، كنت في الثامنة أو التاسعة ربّما، الحياة اليومية لوالدي الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، جعلتني أعتقد أننا خلقنا فقط لنقرأ ونكتب، كان يمضي يومه كاملاً في القراءة والكتابة، ولا بدّ أن أعترف أنني في البداية، كنت مأخوذة بفكرة إنتاج نص بغض النظر عن اللغة وكيفية الطرح، لغتي العربية كانت ركيكة، ومفرداتي محدودة وصياغتي للجمل إنشائية وعادية جداً، مقتبسة من كتب القراءة المدرسية المؤدلجة، والدي لم يكن يريد لي أن أكون كاتبة، كان يدفعني باتجاه الفن، يريدني مهندسة معمارية، أو مصمّمة أزياء، إلا أن ولعه باللغة العربية، جعله يشتغل معي بصبر كبير على أدق تفاصيلها، علّمني الإلقاء بطريقة صحيحة، علّمني كيف آخذ نفساً قصيراً بعد الفواصل، وطويلاً بعد النقاط، حتى صارت القراءة متعة بالنسبة إلي، ثم علّمني كيف أوجز في الكتابة، وأنمّق المفردات وألعب بالصياغة فصارت الكتابة متعة يومية تلازمني، بعد رحيله، وكنت في الرابعة عشر من عمري، صرت أكتب بجدية أكبر، وكأن الكتابة هي صلة الوصل، بيني وبين والدي، كأنني أخاطبه عبرها وأشعر به ما يزال موجوداً معي.
– كيف تقتني كتبك وما المجال المفضل لديك في القراءة؟
أحبّ الرواية كعالم موازٍ أهرب إليه، مثلها كمثل الكتابة، أقرأ الأدب العربي والعالمي باللغتين العربية والفرنسية، أحاول البحث عمّا هو جديد للتعرّف على أنماط كتابة أخرى وعوالم غريبة عنّا مع العودة بين حين وآخر إلى كتب قرأتها منذ زمن طويل، أحب الفلسفة أيضاً وعلم النفس لأن المجالين يساعدان الكاتب على نحت شخصياته وفهمها بعمق أكبر تجنّباً لإطلاق أحكام مسبقة ومتسرّعة.
– حدثينا عن إصداراتك وما المحور الرئيسي في كل منها؟
لدي ثلاثة كتب، الكتاب الأول كان قصصاً قصيرة، ثم نشرت روايتين، أحب الاشتغال بروية وصبر على التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، يمتعني البحث العميق في الذاكرة وتاريخ الجسد والروح، وطرح أسئلة عمّن نكون وعن طريقة تعاطينا في الوجود في مدن لم نخترها، وفي ظروف اجتماعية وسياسية مريرة، أطرح الكثير من الأسئلة في الكتابة، ليس مهمّة الرواية الإجابة عنها، بل تأملّها وطرحها للنقاش بين الكاتب والقارئ وبين القارئ ونفسه.
– من هم أبطال رواياتك وأين تجدينهم؟
الشخصيات الروائية، هي شخصيات تعيش بيننا، لا نعرفها بالضرورة لكنها تتقاطع بالتأكيد في مكان ما من ذاكرتنا مع أشخاص مررنا بمحاذاتهم في الشارع ربما، مهما حاول الكاتب، الانفصال عن الواقع، والاشتغال على شخصيات خيالية تماماً، إلا أنه لا يستطيع بالضرورة الهرب من ذاكرته أو تحييدها، الذاكرة تحتفظ بمخزون هائل من المشاهد والروائح والملامح والحب والكراهية والحقد ولمعان العين تختلف حدّتها بين شخص وآخر، حتى إنها تحتفظ برنّة الصوت، فكيف في الإمكان الهرب منها والانفصال عنها؟
– ماذا عن مشروعك الأدبي القادم؟
أكتب رواية عن الذاكرة، تحفّظي عن الحديث عمّا أكتب يثير انتقاد الكثيرين، لكنني فعلاً لست بارعة في الحديث عن روايتي منشورة كانت أو قيد الكتابة، أرى أن الإنسان، إما يبرع في رواية القصص أو في كتابتها.
– ما الطقوس الخاصة بك أثناء القراءة والكتابة؟
أثناء القراءة أفضّل أن أكون في بيتي، على الأريكة التي اعتدت الجلوس عليها في صالون أي بيت أنتقل إليه، أما الكتابة، فلا أعرف الاستغراق بها إلا في الصباح الباكر عندما يكون ضوء الشمس خافتاً، في مقهى أعتاد ارتياده في كل مدينة أنتقل إليها، أسمع موسيقى معينة أثناء الكتابة، وأستمتع بالتواجد في ذلك المقهى المليء بالناس.
– كيف أثرت دراسة الأدب الفرنسي والترجمة على نتاجك الأدبي؟
اللغة تمنح مساحة تفكير أبعد وأغنى وأكثر عمقاً، أن تقرئي أدباء فرنسيين بلغتهم، يساعدك أكثر على فهمهم والتقاط أفكارهم وتحايلهم على اللغة والصياغة، وبرأيي، قد يساعد التعمّق بلغات أجنبية، وبحضارات أخرى، على إخراج النص من منصّة محلية إلى منصة أوسع.
– ما علاقتك بالفنون الأخرى كالشعر والرسم والموسيقى والمسرح؟
أحب قراءة الشعر وحفظه، خاصة الشعر الموزون، علاقتي بالرسم قديمة جداً، كان والدي يحتفظ بمكتبته (ولم يكن الإنترنت موجوداً بعد) بمجلدات ضخمة عن الفن العالمي والعربي، وكنّا نمضي ساعات طويلة بين تلك الصفحات الملونة ونغرق في تفاصيل اللوحات، أرسم بين وقت وآخر، كطريقة للانفصال عن الواقع، لا أعرف الرسم، ولست بارعة فيه، لكنني أستمتع بكل شيء يدوي أستخدم به أصابعي وأشرد تائهة لساعات عمّا نعيشه، أحب الموسيقى أيضاً، إذ كبرت في بيت فيه مشغّل الإسطوانات الكبيرة، تدور فيها موسيقى فيفالدي وتشايكوفسكي وباخ وجاك بريل وأم كلثوم وغيرهم، كما أنني عزفت البيانو من عمر الأربع سنوات حتى العشرين، وكنت أنوي الدخول إلى «الكونسرفتوار»، إلا أن الكتابة سرقتني، وأصابعي صارت قاسية.
– ما أهم التحديات التي تواجهك ككاتبة وما طموحاتك المستقبلية؟
الكتابة حالة من التحدي، الكاتب مطالب بتطويع أحاسيسه كلها أثناء الكتابة، وتقديم فكرة مختلفة وتجديد لغته وتطوير أسلوبه، الكتابة أمر معقّد، خاصة في هذا الزمن الغارق في العنف والضجيج ووسائل التواصل الاجتماعي التي سرقتنا مما هو أعمق وأكثر جدوى.
جريدة الخليج