دأ محمود درويش الشاب حياته عضواً في حزب «راكاح» المكون من أغلبية يسارية عربية، إضافة إلى يهود معادين للصهيونية؛ شأنه في ذلك شأن النخبة المبدعة في أراضي 1948، كتوفيق زياد، وسميح القاسم، وإميل توما، وإيميل حبيبي، وآخرين سواهم، وكانت صحف هذا الحزب هي أول ما نشر فيه درويش قصائده، وبينها صحيفة «الاتحاد» التي كان يرأس تحريرها الراحل إيميل حبيبي، إضافة إلى أسبوعية «الجديد»؛ بل إن درويش نفسه كان في قوام محرري صحف ذلك الحزب.
نشاطه الحزبي انقطع بمغادرته فلسطين، وفعل ذلك دون استشارة حزبه، مما حمل قيادة «راكاح» يومها على اتخاذ قرار بفصله من الحزب، بسبب ما اعتبرته مخالفة تنظيمية.
لم تكن ردة فعل درويش على القرار عدائية؛ بل قال إنه يتفهم دوافع هذا القرار، «فما قمتُ به من تصرف مخالف لأبسط قواعد الانضباط الحزبي»، وظلت علاقة درويش بمناضلي الحزب طيبة حتى النهاية.
كانت القاهرة هي المحطة العربية لدرويش بعد مغادرته فلسطين، وعمل هناك في مؤسسة «الأهرام»، لكنه سرعان ما غادر القاهرة إلى بيروت، التي كانت يومها مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
ظل درويش مستقلاً عن كافة التنظيمات الفلسطينية، لكن علاقة وثيقة جمعته بياسر عرفات، شخصياً. وهو من وضع اللمسات الأخيرة على خطاب عرفات في الأمم المتحدة، وأضاف عليه الجملة الأخيرة التي ظلت مدوية: «إن البندقية في يدي وغصن الزيتون الأخضر في يدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي».
أدت «صفقة» فيليب حبيب المبعوث الأمريكي إلى لبنان، إبان الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، إلى خروج مقاتلي وقيادة منظمة التحرير من لبنان، لكن درويش لم يخرج في البداية مع الخارجين، وقال: «لستُ قيادياً ولا مقاتلاً»، ولكن حين دخل الجنود الصهاينة بيروت راحوا يتعقبونه للقبض عليه، فدّبر طريقة لمغادرة المدينة سراً.
تمنّع درويش بقوة، وطويلاً، عن الاستجابة لرغبة عرفات في أن يصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إلا أنه اضطر في النهاية للقبول بذلك تحت إلحاح الأخير، وحين وُقع اتفاق «أوسلو» اعترض درويش عليه، واستقال من منصبه.
وقتها كان درويش مقيماً في باريس، وبعد أن عادت كوادر منظمة التحرير والتنظيمات الفلسطينية إلى الوطن، بمن فيهم أعداد من المثقفين والأدباء، راجت الأقوال: «ما الذي يُبقي درويش في باريس طالما أصبحت العودة للوطن متاحة»؟
لكن درويش كان قد عقد العزم على العودة قبل ذلك، وهذا ما فعله.
جريدة الخليج