نجح معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي بلغ هذه السنة دورته السابعة والثلاثين في ترسيخ صيغة يتفرد بها وهي الجمع بين الطابعين النخبوي والشعبي، في ما يحمل هذان الطابعان من اختلاف في الظاهر والجوهر. ويبدو أن مساحته الكبيرة بصالاتها وقاعاتها وساحاتها، صممت كي تتسع للجميع من غير تفرقة. الجميع هنا، الإماراتيون والعرب والأجانب، لا سيما الآسيويين، الكتّاب هنا والقراء والصحافيون، ناهيك بالتلامذة الذين تزدحم بهم الباحات والأجنحة، حاملين بطاقات تسمح لهم بالحصول ما يريدون مجاناً. هنا، تختلط اللغات واللهجات، عربية وإنكليزية وآسيوية. حتى الصحف توزع هنا مجاناً والمجلات والمطبوعات وحتى بعض الكتب… الزائرون جميعاً يجدون ما يطلبونه أو يسعون إليه بسهولة، حتى الأطفال يهتدون فوراً إلى مسارحهم ومحترفاتهم ومكتباتهم والنسوة إلى صالة الطهو التي تُعرض فيها كتب عن هذا الفن العريق ويقدم طباخون عالميون في مطابخها أطباقاً ووصفات…
ونظراً إلى الإقبال الشعبي الذي يشهده هذا المعرض، ارتأت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي توصف بـ «الكاتبة المليونية»، أن تطلق فيه كتابها الجديد «شهيا كفراق» (دار أنطوان – هاشيت)، ومن المتوقع أن تحدث حفلة التوقيع ازدحاماً كبيراً، فقارئاتها، لا سيما الشابات والمراهقات ينتظرنها كتاباً تلو كتاب، لكنها قد تصدمهن هذا العام فهي لن تقدم لهن رواية عاطفية أو نسوية بل كتاباً يضم وصايا ومقالات ومقاطع من سيرتها الذاتية. ومن يمر بجناح ناشرها يلحظ فوراً كيف تتكدس نسخ هائلة من كتابها. قارئاتها كما يقال سيأتي بعضهن من بلدان مجاورة، ليحصلن على توقيعها «السحري».
ولكن مقابل «الحدث المستغانمي» الشعبي (والتجاري في نظر دار النشر، أتاح معرض الشارقة فرصة مهمة أمام جمهوره الحقيقي للتعرف إلى ملامح من الأدب الياباني القديم والجديد وإلى وجوه من الحركة الروائية الراهنة. ففي مناسبة حلول اليابان ضيف شرف على الدورة الحالية، دعا المعرض روائيين وروائيات ونقاداً ومؤرخين ليلتقوا الجمهور في ندوات يتحدثون فيها عن تجاربهم وعن المشهد الأدبي القائم في اليابان. أسماء روائية مهمة فعلاً ترجم معظمها إلى الإنكليزية والفرنسية وسواهما، وبعضها فاز بجوائز رفيعة مثل توموكا شيباساكي وفومينوري ناكامورا اللذين حازا جائزة «أكوتاغاوا» الشهيرة. ولئن كان يصعب ترداد أسماء الكتّاب اليابانيين الضيوف ومعظمهم من الروائيين، فهم من خلال أعمالهم بدوا يمثلون تيارات عدة ومنها «تيار الرواية الغامضة»، وهذا تيار ياباني بامتياز. وفي إحدى الجلسات، سئل المنتدون اليابانيون عن هذا التيار فأجابت إحدى الروائيات باليابانية (طبعاً، كانت الترجمة الفورية وسيلة التواصل) وقالت أن هذا التيار يجمع بين الأدب البوليسي والميتافيزيقا. وعن سؤال آخر حول رواج ظاهرة الروائي هاروكي موراكامي أجابت أخرى قائلة: «إن موراكامي عرف كيف يشرع الفن الروائي الياباني على معطيات الرواية الغربية الحديثة وما بعد الحديثة، فجذب قراء الجيل الجديد في اليابان والعالم». وكانت رواية موراكامي الجديدة «قتل القائد» (كيلنغ كومينداتوري) بجزءيها معروضة في الجناح الياباني بلغتها الأم وبالترجمة الإنكليزية، وهي عرفت نجاحاً مذهلاً جماهيرياً ونقدياً، وترجمت منذ صدورها إلى أكثر من أربعين لغة.
ومثلما طغى الروائيون على وفد الكتّاب الياباني، حضر الروائيون العرب والأجانب (والآسيويون خصوصاً) بوفرة، سواء في الندوات أم عبر الأعمال الروائية نفسها. الحبيب السالمي وأمين الزاوي وعلوية صبح وخليل صويلح وحزامة حبايب ونبيل سليمان وإبراهيم نصرالله وطالب الرفاعي وسواهم… جميع هؤلاء استطاعوا أن ينتصروا للرواية المنتصرة أصلاً. وانضمت إليهم الروائية البريطانية، المصرية الأصل، المجهولة عربياً، هناء فيلدينج التي شاءت تقديم الترجمة العربية لروايتها «حب في بلاد الأندلس» في المعرض بغية التعرف إلى القراء العرب للمرة الأولى. أما الأجنحة فحفلت بروايات عربية وعالمية لا تحصى. دار جديدة اسمها «روايات» قدمت أعمالاً بديعة في ترجمة عربية: «حكاية الجارية» و «السفاح الأعمى» لرائدة الرواية «الديستوبية» مارغريت إتوود، «ضجيج العصر» و «ببغاء فلوبير» لجوليان بارنز، «الارتياح للغرباء» لإيان مكيوان وسواها من الروايات الفائزة بجائزة البوكر البريطانية. وفي مناسبة فوز رواية «المريض الإنكليزي» لمايكل أونداتجي بجائزة البوكر الذهبية للعام 2018 وعمدت دار «روايات» إلى ترجمتها إلى العربية.
روايات عالمية أخرى كان لا بد لها من أن تجذب القراء: رواية بول أوستر الرهيبة التي ترجمت إلى لغات عالمية «4321» نقلتها دار المتوسط إلى العربية لتنضم إلى روايات أوستر الأخرى، روايات كافكا «الكلاسيكية» (المسخ، المحاكمة، القلعة) صدرت في ترجمة جديدة أنجزها الناقد السوري نبيل الحفار…
لا يحصى جديد معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومن قدّر له أن يجيد بعضاً من اللغات الآسيوية كالهندية والباكتسانية والفيليبينية والإندونيسية لكان في إمكانه اكتشاف كتب كثيرة.
جريدة الحياة