من المعتاد مراراً وتكراراً أن نسمع من الشعراء شكاياتهم من الحب، بيد أنهم كثيراً ما يشكون من ضيق أحوالهم أيضاً. من هؤلاء شاعر النيل حافظ إبراهيم. وكان ذلك من حقه بالنظر لسوء أحواله. بيد أنه يسوق شكواه غالباً بتواضع يكاد يصل إلى مرحلة المذلة، لو أنه جاء نثراً، ولكن للشعر إجازاته. كان يسكن في الجيزة قريباً من مسكن صاحبه حامد سري الذي تولى عندئذ وزارة الزراعة، واستغل منصبه ليتزوج في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، كما لا بد أن يفعل أي رجل بعيد النظر. عام 1917 عضت الحرب العالمية الأولى بأنيابها سكان مصر، ولا بد أن مس ضيقها حياة الشاعر فلمسنا الكثير من ذلك في القصيدة التي وجهها بهذه المناسبة إلى صاحبه يداعبه من طرف ويطالبه ويستهويه من طرف آخر، حيث قال:
أحامد كيف تنساني وبيني
وبينك يا أخي صلة الجوار؟!
سأشكو للوزير فإن توانى
شكوتُك بعده للمستشارِ
أيشبع مصطفى الخولي وأسي
أعالج جوعتي في كسر داري؟!
وبيتي فارغ لا شيء فيه
سواي وإنني في البيت عاري
وما لي «جزمة» سوداء حتى
أوافيكم على قرب المزار
وعندي من صحابي الآن رهط
إذا أكلوا فآساد ضواري
فإن لم تبعثن إليّ حالاً
بمائدة على متن البخارِ
تغطّيها من الحلوى صنوف
ومن حمل تتبل بالبهارِ
فإني شاعر يُخشى لساني
وسوف أُريكَ عاقبة احتقاري
عرفنا ما وقع بين الشاعر وحامد سري، فقال فيه تلك الأبيات الاستعطائية الظريفة، ولكنني لم أعرف ما الذي جرى بينه وبين الشيخ محمد عبده ليستعطفه بهذين البيتين اليتيمين يعترف فيهما بتتلمذه فكرياً بتعاليم شيخه، إذ يقول:
لقد بِتُّ محسوداً عليك لأنني
فتاكَ وهل غير المنعّم يُحسد؟!
فلا تبلغ الحساد في شماتة
ففعلك محمود وأنت محمّدُ
جريدة الشرق الاوسط