لم يظهر صديقي حماساً لما ذكرته قبل يومين عن «المفردات العربية في اللغة الإسبانية»، كأن لسان حاله يقول: إن الإسبانية ما كانت ستصبح أقل ثراء مما هي عليه، لو لم تدخلها مفردات من لغتنا التي هي اليوم في أسوأ حالاتها، على ما يقول.
ما من لغة من لغات العالم صافية. ففي لغة كل أمة دخلت مفردات من لغات أخرى، إما بحكم الغزوات والاستعمار الطويل، أو بفعل الجيرة والأصول المختلفة لسكان كل بلد، وأيضاً بفعل تعاقب الحضارات والثقافات على الأمة الواحدة، فحتى لو أقصيت لغة من اللغات، أو بادت، لمصلحة لغات جديدة، فهي، بالضرورة، تترك آثارها في ما يليها من لغات، وعلى سبيل المثال فإن ثمة دراسات عمّا تبقى من مفردات فرعونية في اللهجة المصرية الدارجة حتى اللحظة.
كما أن في الفصحى العربية نفسها مفردات من لغات أخرى بينها السريانية، أصبحت جزءاً من نسيج لغتنا، وما ضعف العربية اليوم، كما لمّح الصديق، إلا نتيجة من نتائج ما آل إليه وضع العرب، من دون أن ينسينا ذلك أن بلغتهم هذه كُتب جزء مهم من التراث العالمي، لا من قبل الأدباء، والفلاسفة، والفقهاء العرب وحدهم، وإنما من الفرس، والترك، والكرد، والأمازيغ، ومن أبناء آسيا الوسطى.
ما حداني لهذه المقدمة الطويلة ليست ملاحظة الصديق هذه، وإنما ما يمكن أن أدعوه ب«رسم تخطيطي للصداقة» وصلني عبر تطبيق «واتس أب»، يتضمن عدداً من المفردات العربية ذات الصلة بمفهوم الصداقة، أو القريبة منه، ولكن كل مفردة منها تحيل إلى معنى مختلف، ما يظهر ما في لغتنا العربية من جمال، وثراء.
والمفردات هي كالتالي: «قرين» التي قد تطابق ما ندعوه شقيق الروح، «صفي» وهو الشخص الذي تصطفيه الروح من دون سواه، «نجي» وهو محل الثقة الذي تبوح له، مطمئناً، بأسرارك، «أنيس» وهو الشخص الذي يجلب حضوره الأنس والبهجة، «خِل» أو «خليل» وهو الشخص القريب والحميم، «رفيق» الذي يمكن أن يكون رفيق سفر، أو رفيق درب في فكر، أو قضية، وهو تعبير دارج بين أعضاء الجماعات الحزبية، والسياسية، ويمكن أن نقول عن شريكنا الزوجي إنه رفيق حياة، «صاحب»، ونقول لمن يرافقنا في مهمة، أو مشوار، أو رحلة «نديم» وجمعها ندماء، تطلق على من تجمعهم جلسات لهو، «سمير» وهو من يشاركنا السهر، «جليس» وهو من يشاركك الجلوس، «زميل» وتطلق على من نعمل أو ندرس معه، «تِرب» ونقولها لمن هو في عمرنا.
أما الصديق فهو الذي قد لا تراه عاماً، أو حتى أعواماً، ولكنه يظل صديقاً.
madanbahrain@gmail.com
جريدة الخليج