قد يخرج من يشاهد فيلم «نيرودا» Neruda؛ للمخرج التشيلي بابلو لارين، بسؤال: أيكون الفيلم عن شخص نيرودا نفسه، أهو سيرة لشاعر تشيلي الشهير، أم أن المخرج اختار مقطعاً زمنياً واحداً من حياة الشاعر يعود للفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ليجعل منه ذريعة لمناقشة العلاقة بين السلطة، والسياسة عامة، والشعر.
وإن أظهر الفيلم، الذي أدى فيه دور نيرودا الممثل لويس جنكو، جوانب من الحياة الحزبية والسياسية لنيرودا، بصفته مناضلاً في حزب يساري، وسيناتوراً عن الحزب نفسه في مجلس الشيوخ التشيلي في تلك الفترة، يدخل في مواجهة مباشرة مع رئيس البلاد، إلا أنه اعتنى كثيراً بإبراز الجوانب الأخرى، التي لا تقل إثارة في حياة الشاعر المعتد بنفسه، المقبل على متع الحياة، والمطمئن، قبل هذا وبعده، إلى مكانته التي لا ريب فيها في نفوس أبناء شعبه الذين كانوا يتلقون قصائده بشغف، وهي المكانة التي جعلت السلطة تكلف مفتشاً في البوليس السري لمطاردته.
وأضفت المطاردة على الفيلم أجواء بوليسية. ولوهلة سننسى أننا إزاء ملاحقة محقق في الشرطة لمعارض سياسي، حين يجاهد المفتش أوسكار بيلوشونو، الذي أدى دوره بإتقان الممثل جاييل جارسيا بيرنال، في إثبات كفاءته، وقدراته أمام مسؤوليه بتحقيق ما طلبوه منه: القبض على نيرودا، أو التخلص منه.
وتأتي في الفيلم لحظة تجعل هذا المفتش يدرك ضآلة مكانته إزاء قامة نيرودا. المفتش يريد تحقيق ذاته بالقبض على الشاعر، فهو يجد متعة في «ملاعبة» مطارده الذي يلاحقه من مكان إلى آخر من دون أن يظفر به. زوجة نيرودا، داليا، التي أدت دورها مرسيدس موران، واجهت المفتش بذلك وهي تقول له إن نيرودا حملك على قراءة أشعاره التي ما كنت ستأبه بها.
وإن حوى الفيلم تفاصيل حقيقية من حياة الشاعر، ومن وقائع الاضطراب السياسي في تشيلي في تلك الفترة، إلا أن فيه الكثير من الخيال أيضاً. هذا ما أضفى على الفيلم تميّزه. فالمشاهد لا يتابع أحداثاً تاريخية وقعت، وإنما يشاهد قصة محكمة البناء حول صراع الإرادات. ولم يكن المخرج معنياً ب«تقديس» نيرودا، وإنما التعامل معه كشاعر، تطغى مزاجيته في بعض الحالات على رصانة شخصيته، ومكانته السياسية التي لا مراء فيها.
لا يبلغ المفتش ما تاق إليه من مجد. ويتمكن رفاق نيرودا من تهريبه إلى خارج التشيلي، فيما يسقط المفتش قتيلاً مضرجاً بدمائه وسط الثلوج.
madanbahrain@gmail.com
جريدة الخليج