هَوىً في القلبِ يعذُبُ وهوَ دَاءُ
كذا الدُنيا وما فيها رياءُ
يرَى ما لا أرَى قلبي فيصبو
وهل قلبُ المُحبِ كما يَشاءُ
مررتُ بدارِ من أهوى فحيَّت
وأشغَلَني عن الردِّ البُكاءُ
خَلَتْ مِن نازلٍ لم يخْلُ منهُ
فُؤَادي فالفُؤَادُ لهُ خِباءُ
على المتحَمِّلينَ لنا سَلامٌ
وإن طالَ التجنُّبُ والجَفاءُ
إذا حالت مودَّتُنا لبُعدٍ
فقد حالَ التَكرُّمُ والوفاءُ
تذكرتُ الصَّباءَ فهِمتُ شَوقاً
لَقد كانَ الهَوى مُنذُ الصَباءُ
وما طيبُ الصَباءِ فدَتْكَ نفسي
وإن يَكُ لا يفي هذا الفِداءُ
سَفكتُ دماً لعيني فيكَ دمعاً
فلا تغَفُلْ فبينَكما دِماءُ
ورُبَّ رِسالةٍ عذراءَ جاءت
لها بالمِسكِ ختمٌ وابتِداءُ
من اللفظِ الصحيحِ لها خِباءُ
على المعنى الصريحِ لهُ بِناء
لآلئُ لُجَّةٍ بِيضٌ عليها
رجالُ الحيِّ غارت والنِساءُ
إذا قلنا اليتيمةُ كَذَّبتْنا
لها شِيَعٌ تَجِلُّ وأنسبِاءُ
تُطارحُني المديحَ وكلُّ مدحٍ
ثوى في غيرِ موضِعِهِ هجاءُ
رأَيتُكَ ما أنِفْتَ لمَدحِ مِثلي
فذاكَ عليكَ من كَرَمٍ ثَناءُ
يَزينُ الحُبُّ ما لا حُسنَ فيهِ
فإنَّ الحُسنَ حُبٌّ وارتضاءُ
ولو حسُنت بعين الكُلِّ لَيْلَى
لَجُنَّ الكُلُّ واشْتَملَ البَلاءُ
أنا الوادي إذا ناديتَ لبَّى
صَداهُ فكانَ منكَ لكَ النِداءُ
خلعتَ عليَّ فضلاً أَدَّعيهِ
وحَسْبي أنَّ مِثلكَ لي جِلاءُ
تَقطَّعَتِ الزِّيارةُ منكَ عنَّا
إلى أن كادَ ينقَطِعُ الرَّجاءُ
ولم يكُ بينَنا نارٌ ولكن
تَعرَّضَ بيننا كالنارِ ماءُ
لقد طالَ البِعادُ ولستُ أدرِي
فأصبِرَ هل يطولُ لهُ البَقاءُ
نقولُ غداً ونَطمَعُ أنْ نَراهُ
فيضحكُ من عُلالتِنا القَضاءُ
تَمَتَّعْ من حَبيبِكَ قبلَ يَومٍ
بهِ من داءِ حُبِّكما شفاءُ
فبعضُ الليلِ ليس لهُ صَباحٌ
وبعضٌ اليومِ ليسَ لهُ مَساءُ
ناصيف اليازجي
شاعر لبناني راحل (1800 – 1871 م)