في الحديث الممجوج عمّن يسمون أنفسهم «مشاهير التواصل»، فإن الكلام هنا سلاح ذو حدين، فإننا وإن قصدنا أن نردهم إلى مستواهم الحقيقي، قد نسهم من حيث لا نقصد في زيادة شهرتهم أو تعريف الناس بهم.
الحديث عن رواد التواصل، ينقسم إلى شعبتين، أولاهما: أناس أحسنوا الاستخدام والتوظيف، وآخرون لم ننل منهم إلا كل سوء وقلة حياء وتردٍّ في المستوى. عند الأولين، نقر بأن هناك مجموعة كبيرة من الشباب والشابات أجادوا استخدام مواقع التواصل أفضل استخدام، ويمكن تقسيم هذه المجموعة إلى ثلاث فئات، الأولى: من حوّلتها إلى منصات إخبارية تروج عبرها لبلادها، أو تتداول أخبارها بكل صدقية وشفافية، تماماً كما تفعل المواقع، وتتبعها بترخيص رسمي، فأصبحت تدر على أفرادها دخلاً. والثانية: جعلتها منصات لأهل الخير ومساعدة المعسرين وعلاج غير المقتدرين، فأصبحت ملاذ كل من يبحث عن فعل الخير. والثالثة: اتخذتها فعلاً منصة اجتماعية، راحت تبث عبرها أخبارها الشخصية وأخبار أصدقائها من دون إساءة أو انتهاك للآخرين.
أما الشعبة السيئة الذكر، فهي بلا قيمة ولا أي مضمون، وتعدت كل ذلك إلى أن أصبحت مبتذلة يتبعها بعض العامة، إما لأنهم من المستوى الاجتماعي أو الفكري نفسه، «أو» للضحك عليهم وتداول «بلاهتهم» مع الآخرين.
المصيبة التي نتحدث عنها هنا، أننا، ومن حيث لا ندري، نسهم بشكل أو بآخر في زيادة شهرة هؤلاء أو تعريف الناس بهم، فهم حتى بالأخبار السيئة والمحتوى الضحل الذي يتداولونه، عبر حساباتهم، يبحثون عن مزيد من الشهرة، أو تعريف الناس بهم لزيادة قاعدة المتابعين.
وما يحدث هنا أن خبراً يصدر من جهة رسمية باتخاذ إجراء بحق شخص انتهك الحق العام، أو أساء إلى جهة معينة، وما هي إلا دقائق وتجد أن آلاف مجموعات ال «واتس آب» تتداول ذاك الفيديو السيئ الذي صدر لأجله القرار أو الإجراء، وقد يكون أغلبية أعضاء هذه «المجموعة» لم يسمعوا به أصلاً، فبدل أن نقزم صاحبه، نسهم في شهرته.
صانع هذا الفيديو قد يكون قصد ما نشر، ونال ما أراد، فبعد أن كان نكرة يتداول «نزواته» عبر موقع مجاني، أصبح بعد هذا الخبر وبعد تداول فيديوهاته أكثر شهرة.
هذه الآفة في ازدياد، والمشكلة تزاد سوءاً، وأكبر مصيبة أن تذهب إلى مطار إحدى الدول وتجده مزدحماً، ليس لأن ضيفاً رسمياً سيزور تلك البلاد، بل لأن معجبين دلفوا إليه لاستقبال «مشهور» هو في حقيقة الأمر لا يساوي نقيراً.
مشاهير يصنعون أنفسهم من الوهم، ونحن بتداول «نزواتهم» ومحتواهم الضحل نسهم في زيادة التعريف بهم. وكل ما في الأمر هو إلغاء متابعة «هذا» أو «تلك» بكبسة زر واحدة، وألا نتداول محتواهم بعد أن يصدر إجراء عقابي بحقهم.
جريدة الخليج