كان الدكتور محمد مهدي البصير من أعلام العراق في الأدب والشعر. وهو من أبناء «آل شهيب» المعروفة في مدينة الحلة. ولكنه لقب بالبصير من باب تسمية الشيء بضده، فقد كان فاقد البصر. بيد أن الله تعالى أعطاه بصيرة مكنته من لعب دور كبير في تاريخ بلده، وعلى الأخص في أحداث ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، حيث ضجت مساجد بغداد بخطبه وقصائده الوطنية الحماسية. وكان قد تتلمذ على السيد محمد القزويني، وأصبح خلاً وفياً له. بيد أن السيد القزويني قصر بعدم زيارته له عندما اعتلت صحته، وشق ذلك على المريض الذي تناول القلم والقرطاس، وبعث لأستاذه القزويني بهذين البيتين، من باب العتاب:
لقد كنت تدني مكانتي إليك
وتمنحني رتبة عالية
مرضت فلم تأتني عائداً
وكانت زيارتك العافية
تسلم الشيخ القزويني قصاصة الورق من يد الرسول، وكان من المعروفين بالظرف والطرافة، فأحب أن يداعب صاحبه وتلميذه، فأجابه قائلاً:
فيا ليته قد قضى نحبه
ويا ليتها كانت القاضية!
ما إن استمع محمد مهدي البصير لكلمات أستاذه، حتى قال: والله لأهجونه رغم كل ما في نفسي من مكانة ومحبة له، فانطلق يقول:
أضعت بمدحك أشعاريه
وأرخصتها وهي الغالية!
ورغم سابق مداعبته للبصير، ندم الشيخ محمد القزويني على سوء فعله وتقصيره، فانتهز أول فرصة ليعوده ويؤدي له واجب الصداقة المديدة. وبعد أن اطمأن على صحته وحسن أحواله، انحنى نحوه وأنشده البيتين التاليين، وهما من جميل القول وحسن الالتفات أن يشير إلى عمى صاحبه، فيقول من باب المداعبة الإخوانية:
سامح فتى زل إلا أن نيته
سليمة ما بها زيغ ولا عوج
انظر له فهو أعمى شفه مرض
فمن طريقين عنه يرفع الحرج!
وقد توفي الدكتور محمد مهدي البصير عام 1974 في العاصمة العراقية، ونقلوه إلى مثواه الأخير في وادي السلام، في النجف؛ يرحمه الله.
جريدة الشرق الاوسط