وقد حاول بعض الدارسين مثل ساطع الحصري، وعلي عبدالواحد وافي التخفيف من وقع هذه الآراء، بالقول إنه لم يكن يقصد العرب بل قصد الأعراب والبدو، وكأن ابن خلدون كان كاتباً مبتدئاً أو قاصراً تعوزه دقة التعبير، فيذكر العرب وهو يقصد الأعراب، والحق أن من يقرأ فصول المقدمة يبدو واضحاً أمامه أنه يعنى العرب العاربة وليس البدو الرحل.
في عصرنا الحديث نجد الشاعر نزار قباني كان قاسياً هو الآخر في حق العرب ورأيه فيهم كان شديد السوء، فكثير من قصائده السياسية ليست سوى هجائيات في حق العرب، اقرأ – مثلاً – قصيدته «متى يعلنون وفاة العرب؟».
واقع الحال أن ابن خلدون وكذلك نزار ومن سار على هذا الدرب، لا يكرهون العرب ولا يحتقرونهم كما تصور بعضنا، وأتصور أن دفاع محمد عبدالله عنان عن العرب ومحاولة تفنيد آراء ابن خلدون لم يكن مبرراً، وكذلك الحال بالنسبة لمن سارعوا باتهام نزار قباني.
هذه الآراء في حقيقتها تعبير عن حب شديد للعرب، لكنه حب مصحوب بالألم الكبير والصدمة القاسية لحال العرب وضعفهم، ابن خلدون كان عربياً، وهو دارس جيد للتاريخ العربي ويعرف أمجادهم وجوانب العظمة فيهم، لكن حالهم في زمانه كان مؤلماً.. هذا الرجل عاش ورأى بعينيه اجتياح «تيمور – لنك» مدينة دمشق، بينما أمراء المماليك يتصارعون على النفوذ، وعاش ابن خلدون في القاهرة 24 عاماً متصلة ومات ودفن بها، ورأى تحاقد العلماء وتحاسد الفقهاء في غير قضايا الفقه والعلم، فكانت آراؤه الصادمة والمؤلمة، وإذا كانت – تلك الآراء – صادمة لنا نحن القراء، فكيف كان وقعها عليه، وهو الذي عاش حقائقها ووقائعها؟
أما نزار قباني فعاش الهزائم المتتالية؛ عاش اجتياح إسرائيل لبيروت سنة 1982، وهي عنده «ست الدنيا»، ثم اجتياح صدام حسين للكويت سنة 1990؛ وقبل ذلك كله هزيمة 1967؛ هو أيضاً كان دبلوماسياً شاباً حين وقعت «نكبة» فلسطين 1948، فكانت قصائده نفثة ألم، وآهات حزن عميقة وأسى لما يراه ويعايشه.
صحيفة الرؤية