الحدث أو الحادث رواية كاتبة فرنسية معروفة، ربما أكثر من جوائزها هي آني أرنو. الغالب على كتابة أرنو أنها تكاد تكون سيراً وتؤثر مباشرة على التزويق والتفنن. لكن هذا لا ينفي أنها أي أرنو، كسبت حظوة لدى المترجمين العرب الذين نقلوا إلى لغتهم عدداً من رواياتها.
آني الفقيرة التي لا تخفي نقمتها على أبناء الأغنياء كان عليها أن تدبر 400 فرنك لقاء إجهاضها
الحدث والحادث هما عنوان روايتها التي صدرت عن دار الجمل بترجمة سحر ستالة ومراجعة محمد جليد، والحدث كما هو شأن روايات آرنو جميعاً أقرب الى أن تكون مذكرات، ولا نشك ونحن نتابع السرد، أننا نقرأ شيئاً مستلاً من الواقع، بل من ملاحظات الكاتبة التي لا تجهل أنها تروي قصة عاشتها، بل وتوضح أنها تقصد تجاهل بعض ما جرى كنسيان بعض الأسماء والأماكن، بل وهي في مكان من الرواية تبدو نادمةً على أنها نسيت اسم طبيب لم تكن تمانع في ذكره في ما لو حضر، لأنها تكرهه ولا تريد التستر عليه.
الرواية من العنوان الحدث الذي هو الإجهاض، فالفتاة التي كانتها آني حملت وهي في عشرينياتها، وأثرت الاجهاض وذهبت إلى باريس لتقابل صانعة الملائكة، الاسم الذي كان يطلق على المجهضات، دون أن تدري أن صانعة ملائكة بالقرب منها.
آني الفقيرة التي لا تخفي نقمتها على أبناء الأغنياء، كان عليها أن تدبر 400 فرنك لقاء إجهاضها، وحين تصل إلى مكان المجهضة تجدها عجوزاً مقتصدة في الكلام، والفعل لا يهمها سوى أن تتقاضى أجرتها وقد بدأت عمليتها بأن أدخلت في جسم المُجهضة مسباراً. كان عليها أن تعود إلى بيتها بعد أيام لتغرس في جسدها مسباراً آخر وهذه ستكون المرة الأخيرة.
بعدها ستعود إلى بلدتها بعد أن دفعت للمجهضة مبلغ 400 فرنك وستوصيها المجهضة بأن تعيد إليها المسبار الذي تركته في رحمها. توصية لن تلتزم بها الفتاة الذي تصف لنا كيف امتلأ صدرها بالحليب إلى أن خرج المسبار وخرج معه الجنين الذي التقطته مع صديقة لها قامت، بغير دراية، بقطع حبل السرة الأمر الذي انتهى بأمر الفتاة إلى المستشفى أين عولجت من أثار الإجهاض.
تخفي الفتاة الحادث إلا عن المقربات إليها وتخفيه بالطبع عن أهلها، وتزمع على هجر عشيقها المسؤول عن حملها بعد الإجهاض.
كانت بين ساقي المجهضة التي تزرع في رحمها المسبار شاعرة أن هذه المجهضة التي تحيطها بساقيها تكاد تكون والدتها تلدها من جديد “لقد قتلت والدتي في داخلي تلك اللحظة” تخرج الفتاة من عند الطبيبة وفي رفقتها الطبيبة التي لا تذكر إذا كانت احتفظت حقاً بخفيها، عادةً تلك النسوة اللواتي يخرجن من عندها من أجل قضاء حاجة في دكان البقالة الذي يقع في الزاوية.
أما عن اسمها… صانعة الملائكة فهو ما لم تصدقه الفتاة التي بقيت تستعيد ذكرى المرأة التي عصرتها ذات يوم بين ساقيها. لقد محت اسم المجهضة من أوراقها، إلا أن فتى استفزها بقي يذكرها بالمرأة التي أجهضتها، والذي لم تعد تتذكره إلا متوائماً مع صانعة ملائكة عجوز كان يخيل إليها أنه حفيدها.
لكن الكاتبة لا تريد أن تحدث في نصها ما عجزت عن القيام به في حياتها، “لا أريد أن أحدث في هذا النص ما عجزت عن القيام به في الحياة تلك اللحظة أو أن أصرخ أو أبكي على الأقل”، فهي مع ذلك لم تشعر بالخوف، لا وجود للخوف بل شعور ما يشبه سكينة ذلك الذي لا يعني شيئاً سوى الانتظار.
أمضت أياماً خمسة وهي تعيش مع مسبار، لكن حين خرج الجنين كان عليها هذه المرة أن تتعامل مع الجنين، “تحضر كيس بسكوت فارغاً وضعته فيه وسارت حاملة له شاعرة أن في داخله صخرة وسلطت السيفون عليه”. في اليابان يسمون أجنة الإجهاض “ميزوكو” أي أطفال الماء.
نزفت كثيراً لكنها لم تنتبه للأمر ظناً منها أن كل شيء قد انتهى لكنها اضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى المستشفى.
الكاتبة توازن بين شخصها وبين الحدث الإجهاض. يتراءى لها أن الاجهاض هو أيضاً نص يعرض كما يعرض جسدها في المستشفى. لم تستطع أن تتناول الطعام كانت توازن بينه وبين جسدها، وشعرت بأنها لن تأكل فهي حين ذاك تحس بأنهم يقدمون لها مشيمة لأكلها.
انتفخ صدرها بعد أن امتلأ بالحليب “الطبيعة تواصل عملها أيضاً في الغياب” اللغة توازي الجسد والكلمات تهرب من معانيها. إنها لا تستحيل أفكاراً بل تظهر في الصورة الحلم.
24.ae