تأهلت البرازيل إلى ربع نهائي مونديال روسيا، وقبل ذلك إلى ثمن النهائي، غير آبهة، أو حتى لا تدري، أن مشجعها الشاب اللبناني محمد مزهر، البالغ من العمر سبعة عشر عاماً، قد قضى قتيلاً بطعنة سكين من شاب لبناني آخر، مؤيد للفريق الألماني الذي غادر البطولة، إثر تذيله ترتيب المجموعة السادسة.
حسب عائلة الضحية، فإن الواقعة بدأت مع احتفال محمد زهر بفوز البرازيل على صربيا، قبل أيام، بإطلاق الألعاب النارية، ما أزعج مشجعاً للمنتخب الألماني، فوقع تلاسن بين الشابين تطور إلى شجار تعرض خلاله زهر لطعنة قاتلة.
في برنامج إذاعي ناقش القضية، تضمّن إجراء مقابلات مع لبنانيين، أبدى أحد هؤلاء اندهاشاً من فرط الحماسة لدى المشجعين اللبنانيين، رغم أنه لا فريق للبنان في المونديال، قائلاً: ماذا كان سيحدث لو كان منتخبنا يلعب هناك؟
الحق، ليس اللبنانيون وحدهم من يبدون هذه الحماسة المفرطة وهم يتابعون ما يجري في مونديال روسيا، وقبله في المونديالات السابقة، فهي ليست مجرد ظاهرة عربية، وإنما عالمية بامتياز، حيث تحبس كرة القدم أنفاس العالم لمدة شهر، هي الفترة التي يستغرقها المونديال عادة.
مقدمو البرنامج طرحوا سؤالاً على من استفت الإذاعة آراءهم في الموضوع، في لبنان أيضاً، فعزا لبناني آخر الأمر إلى ما وصفه ب«الضجر»، شارحاً الأمر بأن الناس ضجرة من رتابة الحياة وإيقاعها المتكرر، فيجدون في متابعة مجريات مباريات المونديال، بكل هذه الحماسة والشغف، ما يكسر رتابة الضجر الذي يثقل نفوسهم.
الحق أن هذا التفسير غير كافٍ. ثمة غواية آسرة في كرة القدم لا نظير لها، في العالم كله، ولا يقتصر الأمر على مجريات المونديال وحده، وإنما يطال كل المسابقات الكروية، القارية، والإقليمية، والوطنية، وحتى الجهوية، على مستوى البلد الواحد. الشغوفون بكرة القدم، وأعدادهم مهولة، يجدون متعة في مشاهدة مسابقاتها، إما عبر الشاشات، أو مباشرة على مدرجات الملاعب، وطبيعي أنه كلما حمي وطيس المنافسة ازدادت متعة المتابعة، وما يرافقها من توتر.
لكن حكاية الضجر هذه التي قدّمها اللبناني كتفسير لذلك، باعثة على التأمل. لا يخلو هذا التعليل من وجاهة.
في «معجم المعاني الجامع» نقع على تعريفات تقرن الضجر ب: الضَّيْقُ، الْمَلَلُ، السَّأَمُ، ونقول: ضجِرَ ب، أو ضجِرَ مِن، وحين نقول عن شخص بأنه ضَجِر، نعني أنه قَلِقٌ، ضَيِّقُ النَّفْسِ، مُتضايِق، مُتبرِّم، وفي الفعل يقال: ضجِرَ ب/ ضجِرَ، من يَضجَر، ضَجَرًا، فهو ضَجِر، والمفعول مَضْجور به، ونقول: ضَجِرَ بالأَمْرِ ومنه: ضَاق وتَبَرْمَ، وضَجِرَ المكانُ: ضَاق بمن فيه.
إذاً، أليس وجيهاً السؤال، عما إذا كانت الناس «تسافر»، وهي في صالات البيوت، أو المقاهي والأندية، إلى ساحات الملاعب تتابع الكرة بين أرجل اللاعبين، بكل هذا الشغف، هرباً من كل هذه المعاني للضجر؟ –
جريدة الخليج